لم لم تكن معجزة نبينا عليهالسلام مادية :
قد يقول قائل : لما ذا لم تكن معجزة محمد صلىاللهعليهوسلم معجزة مادية كمعجزة غيره من الأنبياء والرسل ..؟.
والجواب على ذلك يعرف مما قدمناه ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم لو أتى العرب بمعجزة مادية من نوع ما أتى به موسى أو عيسى عليهماالسلام ، لكانت أول كلمة يقولها له المشركون : إن ما جئت به السحر.
لأنهم لجهلهم بحقيقة السحر ، لا يميّزون بين السحر والمعجزة ، ولذلك كانت المعجزة في الدرجة الأولى من نوع ما يتعارفون عليه ، ألا وهو البلاغة والبيان ، لكي يدركوا وجه الإعجاز في الكلام الذي يتلى عليهم باللغة التي يعرفونها. ووصلوا إلى ذروة بيانها وبلاغتها.
ولذلك ما سمع بالقرآن عربي ، إلّا وأدرك أنه ليس من قول البشر ، وإنما هو قول قوة فوق قوة البشر.
تمييز العرب بين أنواع الكلام ، وإدراكهم معجزة القرآن :
لقد نزل القرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم ، معجزة له ، على النحو الذي قدّمناه ، من كونها موافقة لمعارفهم وثقافتهم ، وبدأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتلاوته عليهم ، فما سمعه واحد منهم إلّا وملك عليه قلبه ، واستأثر بعقله ، لما فيه من البلاغة والبيان ، والجمال والدقة والروعة والإتقان ، وهي الأمور التي مارسها العربي ، وكان قلبه يذوب في معانيها.
إنهم عرفوا الشعر ، فما هو بالشعر ، وعرفوا النثر ، فما هو بالنثر ، وعرفوا زمزمة الكهّان ، فما هو بزمزمتهم.
إن غاية ما سمعوه في حياتهم ، وفتنوا به ، هو ما قاله فلان وفلان ، من الشعراء ، والحكماء ، إلّا أن ما يسمعونه اليوم ، ليس من هذا القبيل في قليل ولا كثير ، إنه كلام لا يمكن للبشر أن يصلوا إلى أدنى درجات بلاغته ، ولو كانوا على