قال الإمام أبو الحسن الماوردي بعد أن ساق هذه الألفاظ التي أبعدت في التكلف ، والتنطع ، والتحكم في المعاني ، قال رحمهالله : ولو لا أن هذا الاستنباط يحكى عمن يقتدى به في علم التفسير ـ لرغب عن ذكره ، لخروجه عما اختصّ الله تعالى به من أسمائه.
لكن قاله متبوع ، فذكرته مع بعده ، حاكيا لا محققا (١).
ولهذا نظائر كثيرة ، سنقف على بعضها في الفقرات القادمة ، على أن المنهج الباطني في التفسير كله على هذا المنوال.
التفسير بالأرقام منهج باطني يهودي قديم :
هذا وإن مسألة التفسير الباطني ، والتفسير بالأرقام ، وجعل الألفاظ القرآنية رموزا ظاهرة لمعان باطنة ، ليست جديدة ، وإنما هي قديمة قدم الإسلام ، وقدم الحركات الهدامة التي نشأت فيه.
وإن من المعروف لدينا جميعا أن اليهود هم أول من حاول التفسير بالأرقام.
فقد أخرج ابن إسحاق ، والبخاري في تاريخه ، وابن جرير الطبري في تفسيره ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رباب قال : مر أبو ياسر بن أخطب برسول اللهصلىاللهعليهوسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال : تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه : (الم ذلِكَ الْكِتابُ).
فقالوا ، أنت سمعته؟.
قال : نعم ، فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك : (الم ذلِكَ الْكِتابُ)؟.
قال : بلى.
قالوا : قد جاءك بهذا جبريل من عند الله؟.
__________________
(١) تفسير الماوردي : ١ / ٥١.