وربما وصل الأمر ببعض أفراد هذه الفئة إلى درجة إنكار المعجزات ، أو الخروج عن قوانين الشرع وقواعد اللغة التي لا تقبل التغيير والتبديل.
ونحن لا ننكر تغيير رأي العالم أو الباحث بسبب تغير النظرية ، أو تطور طريقة البحث والنظر ، ومن ثم تغير المعرفة ، فهذا شأن الإنسان مع العلم والمعرفة ، ولكننا ننكر المسارعة إلى تأويل آيات القرآن تبعا لكل فكر حديث يطرح ، أو نظرية علمية ما زالت في طور البحث والنظر ـ وبعيدا عن قوانين الشروع وقواعد اللغة.
إن مثل هذه المسارعة أوقع أفراد تلك الفئة بالعديد من المتناقضات ، ومن ثم أوصلها إلى نقيض قصدها في إظهار إعجاز القرآن.
وهذه الفئة أيضا كسابقتها ، لم تلق التشجيع والترحيب ، بل على العكس من ذلك جوبهت من قبل علماء المسلمين بالإنكار والاستهجان لهذا المسلك ، فكلا جانبي الإفراط والتفريط مذموم غير محمود.
وأما الفئة الثالثة ، وهي فئة جماهير علماء المسلمين ، فهي فئة التوسط بين جانبي الإفراط والتفريط.
فلم تجمد هذه الفئة جمود الفئة الأولى ، ولم تتهور تهور الفئة الثانية.
ولكنها عمدت إلى الآيات التي لها مساس بالعلوم ، وفهمتها بناء على ضوء المعارف الحديثة اليقينية ، لا الظنية ، وفي نطاق قوانين الشرع العامة ، وقواعد اللغة الثابتة ، فرأت فيها ما يدل كل ذي عقل على أن هذا القرآن ليس من عند البشر ، وإنما هو من عند الله ، وإلا لما كان من الممكن قول مثل تلك الآيات في تلك القرون الخالية ، التي لم يكن الإنسان عارفا فيها شيئا عن الحقائق العلمية الحديثة.
ولم يضرها أبدا أن تقف عند ظاهر النص القرآني إذا كانت دلالته قطعية ، وإن كان يتعارض مع بعض النظريات العلمية الرائجة ، جازمة بأن الخطأ في النظرية العلمية ، وأن على أصحابها أن يبحثوا عن وجه الصواب في موضوعها ،