فلقد انقسم الناس في هذا الموضوع إلى فئتين ، بل إلى ثلاث فئات.
الفئة الأولى : رفضت ـ بضيق أفقها وقصر معارفها ـ رفضت أن تنفتح للعلوم الحديثة المعاصرة والتي أصبحت في كثير من حالاتها حقائق يقينية لا يجوز الإعراض عنها بحال ، وجمدت على العقلية المبنية على المعارف الخاطئة القديمة ، وأصرت على عدم جواز تفسير بعض آيات القرآن في ضوء المعارف الحديثة ، مما أدى في بعض الحالات إلى إيجاد ثغرات خطيرة بين التفسير الذي أرادوه والحقائق العلمية اليقينية الثابتة.
كمن رفض القول بأن الأرض كروية ، أو أنها تسبح في الفضاء ، أو أنها تدور حول الشمس ، مستدلا بفهم خاطئ لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ، أو قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أو قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) ـ فزعم أن هذا يتنافى مع كرويتها.
واستدل بقوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) بأن هذا يتنافى مع القول بأن الأرض تدور حول الشمس ، ولا سيما وقد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن الشمس تسير ، وأنها تسجد تحت العرش ، إلى آخر ما يمكن أن يستدل به في هذا الموضوع ، مما يدل بظاهره على ما ذهب إليه.
وهذا الاستدلال ناتج ـ كما ذكرت ـ عن ضيق في أفق قائله ، وقلة معرفته واطلاعه على حقائق العلم في الكون والحياة ، وقصره للمدلولات اللغوية على بعض معانيها الظاهرة التي يعرفها ، أو جموده على حقيقتها دون مجازها السائغ الصحيح.
وأنا لا أريد الآن أن أبين ما يجب أن يقال في مثل هذه المواطن ، لأنني في معرض المثال للفئة الأولى ، من الذين لم يستطيعوا أن يهضموا الحقائق العلمية ، والمعارف اليقينية ، فجمدوا على المعارف القديمة ، بصوابها وخطئها.
وهذه الفئة لم يعد لها وجود الآن في عصرنا تقريبا ، ولئن وجد من يؤمن بمنهجها فإنما هي بقية منهم وأطلال لهم ... فالحقائق العلمية لا تثبت في تيارها الأوهام.