والكمال ، لغة الحب والجمال ، ووصلوا إلى ذروة المجد الفني في استعمال هذه اللغة ، في التعبير عن خفقات القلوب ، ومشاعر الوجدان ، ووصف العواطف وإثارتها ، وبعث الهمم وإيقاظها ، وتخليد البطولات والأمجاد ، ونشر المفاخر والمناقب.
تفاخر العرب بلغتهم :
لقد كانوا يتفاوتون فيما بينهم بقدر ما يجيده الواحد منهم من هذه اللغة ، حتى صار بعضهم مضرب الأمثال ، كقس بن ساعدة ، وامرئ القيس ، والنابغة الذبياني ، وزهير بن أبي سلمة ، والأعشى ميمون بن قيس ، وغيرهم من البلغاء والفصحاء.
ووجد فيهم المحكمون الذين يفاضلون بين الكلام ، في جودته وبلاغته ، ووصل بهم الأمر إلى أن كتبوا بعض القصائد بماء الذهب ، وعلّقوها في جوف الكعبة ، لما كان لها من البلاغة ، والجزالة ، والقوة ، والجمال ، وهي التي عرفت فيما بعد بالمعلقات السبع أو العشر.
بل وصل الأمر ببني تغلب ـ حين قال عمرو بن كلثوم التغلبي معلقته ـ وصل الأمر بهم في شدة اهتمامهم بقصيدته إلى أن قال الناس فيهم : ألهى بني تغلب عن مفاخرهم قصيدة عمرو بن كلثوم ، إذ كانت القصيدة ترفع القبيلة إلى ذروة المجد ، أو تحطها إلى حضيض الذلّ والهوان.
فأمة هذا شأنها ، لا تعرف السحر ولا الشعبذة ، ولا تعرف الطب ولا الفلسفة ، وإنما تجيد الحكمة والمثل ، والقصيدة والمقال ، وتسمو بهذه الأمور إلى أن تدرك غايتها ، وتتميز بها ، لا بدّ أن تكون المعجزة التي يأتي بها نبيها من نوع ما تعرفه وتتقنه.
ولذلك كانت معجزة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم معجزة لغوية ، تتجلى في آيات القرآن الكريم ، إلى جانب المعجزات الأخرى ، الكثيرة الشهيرة.