ويؤثر في النفوس ، ويملي على كل إنسان إعجازه ، ليعترف كل من سمعه أنه ليس من صنع البشر ، وإنما هو كلام الله ، ما دام القرآن كذلك ، لما ذا لا ندرك نحن أهل هذا العصر إعجازه .. ، ولما ذا لا نجد أثر فصاحته وبلاغته في قلوبنا كما وجدها أهل العصر الأول ، بل ربما لا يفرق الواحد منا بين كلام الله وكلام كثير من الناس ، وربما أعرض عن سماعه أو تلاوته ..؟.
إنه لكلام حق ، وأمر واقع ، لم يعد أكثر الناس في عصرنا يدركون وجه الإعجاز في القرآن ، ولم يعودوا يرون فيه ما رآه سلف هذه الأمة وأولها ، ولا يكاد يميّز قارئ القرآن اليوم بينه وبين غيره من أساليب الكلام ، بل ربما تأثر بغير القرآن أكثر من تأثره بالقرآن.
ولكن .. ليس السبب في هذا هو عدم وجود الإعجاز في كتاب الله ، فكتاب الله ما زال هو الكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولقد تكفل الله بحفظه وبقائه إلى يوم القيامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ولكن السبب في ذلك هو جهلنا بلغتنا العربية ، لغة القرآن ، التي لم نعد نعرف منها القليل ولا الكثير ، وإن كنا نسمى عربا ، وننطق العامية العربية.
وإذا جهل الإنسان هذه اللغة ، فإنه لن يستطيع أن ينطق بها ، علاوة عن أن يفهمها ويتذوقها.
ولذلك نجد معظم أهل العصر لا يستطيعون أن يتكلموا العربية دون أن يلحنوا بها ، ومن كان هذا شأنه ، فإنه من المحال عليه أن يدرك إعجاز القرآن أو يضع يده على بلاغته.
إن العربي المعاصر اليوم ليس فقط لا يستطيع أن يدرك إعجاز القرآن ، بل إنه لعاجز أن يفهم الكثير من تراكيب العربية بصورها البيانية والبلاغية ، ولو قرأنا عليه شيئا من الشعر الذي سجد لمثله الفرزدق ، لما كان منه إلّا النفار والإعراض ، لا لأن الشعر ليس جميلا ، ولكن لأنه ليس في مقدوره فهم ذلك الشعر.