قال : بلى ... ولقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه ، وبطش بسعيد ، فقامت إليه اخته تدافع عن زوجها ، فلطمها وأدماها ، فلما فعل ذلك قالا له : نعم لقد أسلمنا ... فاصنع ما بدا لك ..
ثم طلب من أخته الصحيفة التي سمع قراءتها ، ووعدهما أن يردها عليهما إذا قرأها.
فلما طمعت أخته في إسلامه ، قالت له : يا أخي إنك نجس ، على شركك ، وإنه لا يمسها إلّا طاهر.
فقام عمر ، واغتسل ، فأعطته الصحيفة ، وفيها :
بسم الله الرحمن الرحيم ، (طه ، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ، تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى ، الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى).
فلما قرأ عمر صدر السورة ، هدأت ثورته ، وذابت حدته ، وسطع أمامه نور المعجزة بما لا يستطيع دفعه.
إنه الكلام الذي تترنم به السموات والأرض ، ويتفاخر به الإنس والجن ، وتغبط الملائكة به بني آدم ...
وانفعلت نفس عمر بهذا الكلام ...
كيف لا ...؟ وهو العربي القرشي الذي يتذوق العربية ، ويتمايل لسماعها طربا ...
فما كان منه إلا أن قال : «ما أحسن هذا الكلام وأكرمه».
وما كان منه إلّا أن ذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... ولكن ... لا ليقتله هذه المرة .. وإنما ليعلن إسلامه وليضيف إلى التاريخ حادثا من أهم الحوادث في تاريخ المعجزة القرآنية ، إذ كان اعترافه بها ، وإيمانه بصاحبها ، مغيرا لمجرى الحوادث في حياة المسلمين ، وتاريخ الرسالة .. بل كان مغيرا لمجرى الحياة الإنسانية كلها.