إنه مقدار لأمر غير قار الذات وهو الحركة وإلّا لكان هو أيضا قار الذات أي مجتمع الأجزاء في الوجود فيكون الحادث في اليوم حادث يوم الطوفان وهو محال ، ولا يجوز أن يكون مقدار الحركة مستقيمة لأنها لازمة الانقطاع لما سيجيء من تناهي الأبعاد ، ومن امتناع اتصال الحركات المستقيمة على مسافة متناهية ، والزمان لا ينقطع لما مر فتعين أن يكون مقدار الحركة مستديرة ويلزم أن يكون أسرع. الحركات ليكون مقدارها أقصر فتصلح التقدير جميع الحركات به (١) ، فإن الأقل يقدر به الأكثر من غير عكس لتقدير الفرسخ بالذراع (٢) وتقدير المائة بالعشرة وأسرع الحركات الحركة (٣) اليومية المنسوبة إلى الفلك الأعظم فيكون الزمان مقدارا لها.
فإن قيل : هذا تعريف للزمان وتفصيل لذاتياته. فكيف يطلب بالحجة؟.
قلنا : الشيء إذ لم يتصور بحقيقة بل بوجه (٤) ما لم يمتنع إثبات أجزائها بالبرهان كجوهرية النفس ، وتركب الجسم من الهيولي والصورة ، وهاهنا لم يتصور من الزمان إلا أنه شيء باعتباره تتصف الأشياء بالقبلية البعدية وليست المقدارية من ذاتيات هذا المفهوم ، بل من ذاتيات حقيقته.
واعترض على هذا الدليل بأنه مبني على أصول فاسدة ، مثل بطلان الجزء الذي لا يتجزأ ، ومثل امتناع إيصال الحركات ولزوم السكون بين كل حركتين مستقيمتين ، ومثل امتناع فناء الزمان ، ولزوم أن يكون عدمه بعد الوجود مقتضيا لزمان آخر ، وبعد ثبوت هذه الأصول بالدليل أو التزام الخصم إياها بأن يجعل هذا احتجاجا على باقي الفلاسفة فلا نسلم أن القابل للتفاوت ، أو يلزم أن يكون كما مقتضيا لموضوع ، وإنما يلزم لو كان ذلك (٥) بحب الذات وهو ممنوع ، ودعوى الضرورة غير مسموعة.
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (به).
(٢) الذراع مؤنثة قاله سيبويه وجمعها (أذرع).
(٣) سقط من (ب) لفظ (الحركة).
(٤) في (أ) يوجد بدلا من (بوجه).
(٥) فى (أ) بزيادة لفظ (ذلك).