لا خفاء في آنية شيء ينتقل الجسم عنه وإليه ، (١) ويسكن فيه ، ولا يسع معه غيره ، وهو المسمى بالمكان ، والمعتبر من المذاهب : أن ماهية السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى.
وإليه ذهب أرسطو وأشياعه من المشائين (٢) ، أو البعد الذي ينفذ فيه بعد الجسم ، ويتجدد به ، وإليه ذهب كثير من الفلاسفة والمتكلمين وزعموا أن من البعد ما هو مادي يحل في الجسم ، ويقوم به ، ويمتنع اجتماعه مع بعد آخر مماثل له ، قائم بذلك الجسم ، وهو المسمى بالجسم التعليمي ، ومنه ما هو مفارق لا يقوم بمحل ، بل يحل فيه الجسم ويلاقيه بجملته ، ويجامعه بعد الجسم منطبقا عليه متحدا به.
إلا إنه عند المتكلمين عدم محض ، ونفي صرف ، يمكن أن لا يشغله شاغل ، وهو المعنى بالفراغ المتوهم ، الذي لو لم يشغله شاغل (٣) لكان فارغا.
وعند بعض الفلاسفة : امتداد موجود قد يكون ذراعا ، وقد يكون أقل ، أو أكثر ، وقد يسع هذا الجسم (٤) ، وقد يسع ما هو أصغر منه ، أو أكبر ، وتوضيحه أنا إذا توهمنا خلو الإناء من الماء (٥) والهواء وغيرهما ، ففيما بين أطرافه امتداد قد يشغله الماء ، وقد يشغله الهواء ، فكذا عند الامتلاء ويسمونه البعد المفطور. بمعنى أنه مشهور مفطور عليه البديهة ، فإن كل أحد يحكم بأن الماء فيما بين أطراف الإناء وقيل بمعنى أنه ينشق ، فيدخل فيه الجسم
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (وإليه).
(٢) المشّاءون : اسم لارسطو وأتباعه ، إشارة إلى طريقة ارسطو في التعليم إذ كان يمشي وحوله تلاميذة ، ومن أشهر المشائين تاوفراسطوس الذي خلف ارسطو في إمامته ومن الأتباع المتأخرين استراتون الذي قضى زمنا بالإسكندرية ، ونهضت المدرسة حتى تولى أتباعها شرح فلسفة أرسطو.
(٣) سقط من (ب) لفظ (شاغل).
(٤) في (ب) يقع وهو تحريف.
(٥) في (أ) عن بدلا من حرف الجر (من).