وإن لم يكن مانعا لم يتم الدليل على امتناع تفاوت الماهية وذاتياتها ، ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى نفي التشكيك (١) مطلقا ممسكا بالدليل المذكور ، وجوز بعضهم التشكيك والتفاوت في الماهية وذاتياتها ، نظرا إلى عدم دليل الامتناع ، بل ادعوا أن تفاوت الخط الأطول والأقصر تفاوت في الماهية الخطية وأنها في الأطول أكمل وفي الأقصر أنقص ، لأن الزيادة التي في الطول من جنس الخط ، وإن لم يكن داخلا في ماهيته وإن ادعى التفرقة بين ما إذا كان ذلك القدر الخارج عنه المعنى المشترك داخلا في ماهية الأشد ، وبين ما إذا كان داخلا في مجرد هويته لم يكن بد من البيان ، مع أن الدليل المذكور لا يتم حينئذ في أجزاء الماهية لجواز أن يكون ما به يتفاوت الجنس خارجا عنه ، داخلا في ماهية بعض أنواعه.
__________________
(١) الشك : هو التردد بين نقيضين لا يرجح العقل أحدهما على الآخر ، وذلك لوجود أمارات متساوية في الحكمين ، أو لعدم وجود أية أمارة فيهما ، ويرجع تردد العقل بين الحكمين إلى عجزه عن معاناة التحليل أو إلى قناعته بالجهل. لذلك قيل : الشك ضرب من الجهل ، إلا أنه أخص منه ، لأن كل شك جهل ، ولا عكس ، وقيل : الشك ما استوى طرفاه ، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما ، فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن ، فإذا طرحه فهو غالب الظن ، وهو بمنزلة اليقين (تعريفات الجرجاني). والشك عند ديكارت فعل من أفعال الإدارة ، فهو ينصب على الأحكام لا على التصورات والأفكار لأن التصورات من غير حكم لا تسمى صادقة ولا كاذبة.
(راجع ديكارت. عثمان أمين ص ١٠٢).