وما ذاك بحدوث تفرق في شفاف ونفوذ هواء فيه فإنه كان متفرقا منحلا في الخل ، ولا لتقارب أجزاء متفرقة وانعكاس ضوء البعض إلى البعض لأن حده ماء القلى بالتفريق أولى ، بل ذلك على سبيل الاستحالة ، كما في الجص فإنه يبيض بالطبخ بالنار ولا يبيض بالسحق، والتصوفل (١) مع أن تفريق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر ، فظهر أن ابن سينا لم ينكر حصول البياض في الثلج ، وزبد الماء ، ومسحوق البلور ، والزجاج ، ونحو ذلك مما لا سبب فيه سوى مخالطة الهواء بالمشف ، بل ادعى حصوله بأسباب أخر بعد ما كان لا يعلم حصوله إلا بهذا السبب على ما قال في موضع من الشفاء (٢). (لا أعلم هل يحصل البياض بسبب آخر أم لا؟ وكان صاحب المواقف فهم ـ وحاشاه عن سوء الفهم ـ من بعض عبارات الشفاء حيث يقول) (٣) وفي بيان سبب البياض في الصور المذكورة : أن اختلاط الهواء بالمشف على الوجه المخصوص سبب لظهور لون أبيض ولرؤية لون هو البياض ، إنه ينكر وجود البياض فيها بالحقيقة فنسبة إلى السفسطة (٤) ، ومما استدل به في الشفاء على حصول البياض من غير اختلاط الهواء بالمشف أمران :
أحدهما : اختلاف طرق الاتجاه من البياض إلى السواد حيث يكون من البياض تارة إلى الغيرة (٥) ، ثم العودية ، ثم السواد ، وتارة إلى الحمرة ثم القتمة ، ثم السواد ، وتارة إلى الخضرة ثم النيلية ، ثم السواد فإنه يدل على اختلاف ما تركب عنه الألوان ، إذ لو لم يكن إلا السواد والبياض ، ولم يكن البياض إلا بمخالطة الهواء للأجزاء الشفافة ، لم يكن في تركب السواد والبياض إلا الأخذ في طريق واحد ، وإن وقع فيه اختلاف فبالشدة والضعف.
__________________
(١) في (ب) والتصويل.
(٢) راجع توابع المزاج من المقالة الثانية من الفن الرابع من الطبيعيات ونص عبارته كما أوردها صاحب المواقف : «لا أعلم حدوث البياض بطريق آخر سوى الطريق التخيلي».
(راجع كتاب المواقف ج ٥ ص ٢٣٦).
(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٤) راجع لمحة عن (السفسطة) في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٥) في (أ) الغيرة وهو تحريف.