المثال منتزعا من أمر خارج أو متحصلا ابتداء وسواء كان منطبعا (١) في ذات المدرك ، أو في آلته ، والمراد بالمشاهدة مطلق الحضور ، وفي قوله يشاهدها ما به يدرك تنبيه على انقسام الإدراك إلى ما يكون بغير آلة فيكون ارتسام الصورة في ذات المدرك ، وإلى ما يكون بآلة فيكون في محل الحس ، كما في الإبصار بحصول الصورة في الرطوبة الجليدية ، أو في المجاور كإدراك الحس المشترك بحصول الصورة الخيالية في محل متصل به ، والمراد بالمشاهدة مجرد الحضور على ما هو معناها اللغوي لا الإبصار وإدراك عين الشيء الخارجي على ما هو المتعارف ليلزم فساد التفسير ، نعم تضمنت العبارة في جانب الإدراك العقلي تكرارا بحسب اللفظ كأنه قيل (٢) حضور عند المدرك حال الحضور عنده لأن ما به الإدراك العقلي هو ذات المدرك ، وفي جانب الإدراك الحسي تكرار بحسب المعنى حتى كأن هناك حضورين أحدهما عند المدرك والآخر عند الآلة ، وليس كذلك بل الحضور عند النفس هو الحضور عند الحس وتحقيق المقام أنا إذا أدركنا شيئا فلا خفاء في أنه يحصل لنا حال لم تكن وتكاد تشهد الفطرة بأنها بحصول أمر لم يكن لا بزوال أمر كان وما ذاك إلا تميزا وظهورا لذلك الشيء عند العقل ، وليس ذلك بوجوده في الخارج إذ كثيرا ما ندرك ما لا وجود له في الخارج من المعدومات بل الممتنعات ، وكثيرا ما يوجد الشيء في الخارج ولا يدركه العقل مع تشوقه إليه ، بل بوجوده في العقل بمعنى أن يحصل فيه أثر يناسب ذلك الشيء بحيث لو وجد في الخارج لكان إياه ، وهذا هو المعنى بحصول الصورة وحضورها وتمثلها وارتسامها ووصول النفس إليها ، ونحو ذلك ، ولا يفهم من إدراك الشيء سواه والاعتراض بأن الإدراك صفة المدرك والحصول ونحوه صفة الصورة مما لا يلتفت إليه عند المحققين (٣) سواء جعلنا الإدراك مصدرا بمعنى الفاعل أو المفعول ، وأما
__________________
(١) في (ب) منطبقا.
(٢) في (أ) قبل بالباء.
(٣) في (ب) عند المحصلين.