الحاضر الذي لا تلتفت إليه النفس مدركا ، وليس كذلك ، ومنها أن الصورة العلمية عرض قائم بالنفس وقد جعلتموها مطابقة للموجود العيني الذي ربما يكون جوهرا ، بل نفس ماهيته ، وامتناع كون العرض مطابقا للجوهر ، ونفس ماهيته معلوم بالضرورة (وأيضا : جعلتموها كلية مع أن كون العرض القائم بالنفس الجزئية جزئيا ضروري) (١) وأيضا تجعلون العلم تارة حصول الصورة ، وتارة نفس الصورة مع ظهور الفرق بينهما.
والجواب : أن الممتنع هو كون الشيء الواحد باعتبار واحد جوهرا وعرضا ، أو كليا وجزئيا ، وأما عند اختلاف الاعتبار فلا ، فإن كون (٢) الصورة العقلية عرضا من حيث كونها في الحال قائمة بالموضوع الذي هو النفس لا ينافي كونها جوهرا من حيث إنها ماهية ، إذا وجدت في الخارج كانت لا في موضوع ، وإنما المستحيل كون الشيء جوهرا وعرضا في الخارج بمعنى كونها ماهية إذا وجدت في الخارج كانت في موضوع ولا في موضوع ، وكذا كونها جزئية من حيث قيامها بالنفس الجزئية لا ينافي كليتها من حيث مطابقتها للأفراد الكثيرة ، بمعنى أن الحاصل في العقل من كل منها عند التجريد (٣) عن العوارض تكون تلك (٤) الصورة بعينها ، ثم نسبة الحصول إلى الصورة في العقل نسبة الوجود إلى الماهية في الخارج ، فكماله ليس للماهية تحقق في الخارج ، ولعارضها المسمى بالوجود تحقق آخر ، حتى يجتمعا اجتماع القابل والمقبول ، كذلك ليس للصورة تحقق في العقل ، ولعارضها المسمى
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٢) في (ب) فكون بدلا من (فإن كون).
(٣) التجريد في اللغة : التعرية من الثياب والتشذيب ، تقول جرد الشيء قشره ، وجرد الجلد نزع شعره ، وجرد السيف من غمده سله ، وجرد الكتاب عراه من الضبط والزيادات والفواتح ، والتجريد عند الفلاسفة : هو انتزاع النفس عنصرا من عناصر الشيء ، والتفاتها إليه وحده دون غيره.
وله عند علماء اللغة عدة معان ، منها تجريد اللفظ الدال على المعنى عن بعض معناه ومنها عطف الخاص على العام ، ومنها أن ينتزع من أمر ذي صفة.
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (تلك).