التمايز بين الصورة وذي الصورة ، ولصفاتها اجتماع المثلين مدفوع بما مر من التغاير بين الصورة والهوية ، وبأن التماثل المانع من الاجتماع ، إنما هو بين الهويتين. ولو سلم فبطريق الحصول الاتصافي ، وبالجملة إذا كان الحصول الإدراكي غير الحصول الاتصافي ، ولم يتحقق كون الحصول الاتصافي لما من شأنه الإدراك مستلزما للإدراك كان عدم استلزامه فيما ليس من شأنه الإدراك ، كحصول السواد للحجر أولى ، فلا يرد ما ذكر الإمام من أن الإدراك إذا كان نفس الحصول كان المدرك هو الذي ليس (١) له الحصول وكان الجسم الحار مدركا للحرارة ، ومنها أنا نعلم قطعا أن المدرك بالحس أو العقل هو الموجود العيني كهذا السواد ، وهذا الصوت والإنسان ، فالقول بأنه مثال وشبح من ذلك الموجود لا نفسه يكون (٢) سفسطة ، والجواب : أنه لا نزاع في أن المدرك هو ذلك الموجود ، لكن إدراكه عبارة عن حصول صورة منه. ومثال عند المدرك بحصولها فيه ، أو في آلته ، ومنها أنكم تجعلون المدرك للمحسوسات هو النفس ، أو الحس (٣) المشترك مع أن حصول الصورة ليس فيها ، بل في الخيال ، أو غيره من الآلات كالرطوبة الجليدية للمبصرات ، فلو كان الإدراك هو الحصول لكان المدرك ما فيه الحصول. والجواب : أنا لا نجعل إدراك المحسوسات هو الحصول في الآلة، بل الحصول عند المدرك للحصول في الآلة ، فلا يلزم ما ذكر ، وبهذا يندفع اعتراض آخر وهو أنه لو كان مجرد لحضور عند الحس على ما هو المراد بالمشاهدة كافيا في الإدراك لكان
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (ليس).
(٢) في (أ) بزيادة (يكون).
(٣) الحس في اللغة الحركة والصوت الخفي ، وما نسمعه مما يمر قريبا منك ولا تراه ، والر والشر ، وبرد يحرق الزرع والكلأ. ووجع يصيب المرأة عند الولادة.
والحس عند جمهور الفلاسفة هو الإدراك بإحدى الحواس أو الفعل الذي تؤديه إحدى الحواس ، أو الوظيفة النفسية التي تدرك أنواعا مختلفة من الإحساس.
قال ابن سينا : وأما القوى المدركة من باطن فبعضها قوى تدرك صور المحسوسات وبعضها قوى تدرك معاني المحسوسات.
(راجع الشفاء ١ : ٢٩٠ والنجاة ٢٦٤).