الشيء قد يكون بحصول صورة تساويه ، ونيله لا يكون إلا بحصول ذاته ، واللذة لا تتم بحصول ما يساوي اللذيذ ، بل إنما يتم بحصول ذاته. وذكر الوصول لأن اللذة ليست هي إدراك اللذيذ فقط ، بل هي إدراك حصول اللذيذ للملتذ ، ووصوله إليه ، والفرق بين الكمال (١) والخير هو أن حصول ما يناسب الشيء ويليق به من حيث اقتضائه براءة ما لذلك الشيء من القوة إلى الفعل كمال له ومن حيث كونه مؤثرا خير ، ثم المعتبر كماليته وخيريته بالقياس إلى المدرك لا في نفس الأمر لأنه قد يعتقد الكمالية والخيرية في شيء فيستلذ به ، وإن لم يكونا فيه وقد لا يعتقدهما فيما تحققنا فيه فلا يلتذ به ، ولهذا يحصل من شيء معين لذة ، أو ألم لزيد دون عمرو وبالعكس ، فكل من اللذة والألم نوع من الإدراك اعتبر فيه إضافة إلى ملائم ، أو مناف يختلف بالقياس إلى المدرك ، وإصابة ووجدان لذات الملائم ، أو المنافي من حيث هو كذلك لا للصورة الحاصلة منه ، وبقيد الحيثية يندفع ما يقال : إن المريض قد يلتذ بالحلاوة مع أنها لا تلائمه بل تضره وينفر (٢) عن الأدوية ، وهي تلائمه وتنفعه ، وذكر الإمام بعد الاعتراف بأن اللذة والألم حقيقتان غنيتان عن التعريف أنا نجد من أنفسنا حالة نسميها باللذة ، ونعرف أن هناك إدراكا للملائم لكن لم يثبت لنا أن اللذة نفس إدراك الملائم أو غيره ، وبتقدير المغايرة هل هي معلولة له ، أم لا؟ وبتقدير المعلولية هل يمكن حصولها بطريق آخر؟.
__________________
(١) الكمال : مصدر كمل ، وهو حال الكامل ، ويطلق على ما يكمل به النوع في ذاته أو في صفاته ، فالذي يكمل به النوع في ذاته يسمى بالكمال الأول لتقدمه على النوع ، والذي يكمل به النوع في صفاته يسمى بالكمال الثاني.
والكمال الأول يسمى عند أرسطو (انتلثيا) وهو حال الموجود المتحقق بالفعل ، أو هو الصورة أو العلة التي تخرج الشيء من القوة إلى الفعل ومنه قول ابن سينا : النفس النباتية كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يتولد ويربو ويتغذى.
والنفس الحيوانية. كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالارادة. والنفس الإنسانية كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يفعل الأفعال الكامنة بالاختيار الفكري والاستنباط بالرأي ومن جهة ما يدرك الأمور الكلية.
(راجع النجاة ٢٥٨).
(٢) في (أ) تغيره وتينفر بدلا من (تضره وتنفر).