وهو النسبة إلى المكان أعني كون الشيء في الحيز ، وللقوم في تحقيق مباحثه طريقان :
أحدهما للمتكلمين ، والآخر للفلاسفة ، وللقدماء من المتكلمين في طريقهم شعب وتفاريع قليلة الجدوى ، لا نطول الكتاب بذكرها ، بل نقتصر على ما بهما. فنقول :
المتكلمون يعبرون عن الأين ، أعني حصول الجوهر في الحيز بالكون ويعترفون بوجوده، وإن أنكروا وجود سائر الأعراض النسبية ، وقد حصروه في أربعة أنواع هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، لأن حصول الجوهر في الحيز إما أن يعتبر بالنسبة إلى جوهر آخر أو لا وعلى الأول إما أن يكون بحيث يمكن أن يتوسطهما ثالث ، فهو الافتراق ، وإلا فالاجتماع ، واعتبر مكان تخلل الثالث دون تحققه ليشمل افتراق الجوهرين بتخلل الخلاء ، فإنه لا ثالث بينهما بالفعل بل بالإمكان.
وعلى الثاني : إن كان مسبوقا بحصوله في حيز آخر فهو الحركة ، وإن كان مسبوقا بحصوله في ذلك الحيز ، فالسكون ، فيكون السكون حصولا ثانيا في حيز أول ، والحركة حصولا أول في حيز ثان ، وأولية الحيز في السكون قد لا يكون تحقيقا بل تقديرا كما في الساكن الذي لا يتحرك قطعا ، فلا يحصل في حيز ثان ، وكذا أولية الحصول في الحركة لجواز أن ينعدم المتحرك في آن انقطاع الحركة ، فلا يتحقق له حصول ثان.
فإن قيل : إذا اعتبر في الحركة المسبوقية بالحصول في حيز آخر لم يكن الخروج من الحيز الأول حركة مع أنه حركة وفاقا.
قلنا : إنما يلزم ذلك لو لم يكن الخروج من الحيز الأول نفس الحصول الأول في الحيز الثاني على ما صرح به الآمدي (١) وتحقيقه ، أن الحصول الأول في الحيز الثاني من حيث الإضافة إليه دخول وحركة إليه ، ومن حيث
__________________
(١) سبق الترجمة له.