بمثل ما مرّ في العلم والقدرة ، وقد يرد هاهنا إشكالات :
الأول : أن نسبة الإرادة أيضا إلى الفعل والترك وإلى جميع الأوقات على السواء ، إذ لو لم يجز تعلقها بالطرف الآخر ، وفي الوقت الآخر لزم نفس القدرة والاختيار ، وإذا كانت على السواء فتعلقها بالفعل دون الترك ، وفي هذا الوقت ، دون غيره ، يفتقر إلى مرجح ومخصص (١) لامتناع وقوع الممكن بلا مرجح كما ذكرتم ، ويلزم تسلسل الإرادات.
والجواب : أنها إنما (٢) تتعلق بالمراد لذاتها من غير افتقار إلى مرجح آخر لأنها صفة شأنها التخصيص والترجيح ، ولو للمساوي ، بل المرجوح ، وليس هذا من وجود الممكن بلا موجد ، وترجيحه بلا مرجح في شيء.
فإن قيل : مع تعلق الإرادة لا يبقى (٣) التمكن من الترك وينتفي (٤) الاختيار.
قلنا : قد مرّ (٥) غير مرة أن الوجوب بالاختيار محض الاختيار.
الثاني : أن الإرادة لا تبقى بعد الإيجاد ضرورة ، فيلزم زوال القديم وهو محال.
والجواب : أنها صفة قد تتعلق بالفعل ، وقد تتعلق بالترك ، فيخصص ما تعلقت به ويرجحه ، وعند وقوع المراد يزول تعلقها الحادث ، وبهذا يندفع ما يقال : إنها لا تكون بدون المراد فيلزم من قدمها قدم المراد ، فيلزم قدم العالم على أن قدم المراد لا يوجب قدم العالم ، لأن معناه : أن يريد الله تعالى في الأزل إيجاد العالم وإحداثه في وقته ، ويشكل بإيجاد الزمان ، إلا أن يجعل أمرا مقدورا لا تحقق له في الأعيان.
فإن قيل : نحن نردد في الأثر الذي هو المراد كالعالم مثلا ، بأنه إما لازم للإرادة فيلزم قدمه أو لا فيكون مع الإرادة جائز الوجود والعدم ، فلا تكون الإرادة مرجحة.
قلنا : هو جائز الوجود والعدم بالنظر إلى نفس الإرادة ، وأما مع تعلقها بالوجود ،
__________________
(١) في (ب) تخصص بدلا من (مخصص).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (إنما).
(٣) في (ب) لا ينفي بدلا من (لا يبقى).
(٤) في (ب) ويتعين بدلا من (وينتفي).
(٥) في (ب) قدم وهو تحريف.