وأجيب عن الأول : بأن كلامنا في حصول المشيئة والداعية التي يجب معه الفعل أو الترك ولا خفاء في أنه ليس بمشيئتنا واختيارنا وإليه الإشارة بقوله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١) وقوله (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢). ولهذا ذهب المحققون إلى أن المآل هو الجبر ، وإن كان في الحال الاختيار ، وأن الإنسان مضطر في صورة مختار.
وعن الثاني : بأن للباري تعالى إرادة قديمة متعلقة في الأزل بأن يحدث الفعل في وقته ، فلا يحتاج إلى مرجح آخر ليلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما ليس باختياره بخلاف إرادة العبد ، فإنها حادثة يحدث تعلقها بالأفعال شيئا فشيئا ، ويحتاج إلى دواعي مخصوصة متجددة من عند الله من غير اختيار للعبد فيها.
وعن الثالث : بأنه إلزام على المعتزلة القائلين بوجوب المرجح في الفعل الاختياري لا القائلين بأنه يجوز للقادر ترجيح المساوي بل المرجوح ، فإن الهارب يتمكن من سلوك أحد الطريقين ، وإن كان مساويا للآخر أو أصعب منه ، وفيه نظر للقطع بأن ذلك لا يتصور إلا بداعية لا تكون بمشيئة العبد بل بمحض خلق الله تعالى. وحينئذ يجب الفعل ، ولا يتمكن العبد من تركه ، ولا نعني بالانتهاء إلى الجبر والاضطرار سوى هذا وبه يظهر الجواب عن الرابع.
الدليل الرابع
قال (الرابع)
(معلوم الله تعالى من فعل العبد. أما وقوعه فيجب أو لا وقوعه فيمتنع ، فلا يبقى في مكنة العبد ، وإن كان ممكنا في نفسه.
فإن قيل : المعلوم وقوعه بقدرة العبد واختياره.
قلنا : فيجب ذلك ويعود المحذور ونوقض بفعل الباري).
__________________
(١) سورة الإنسان آية رقم ٢٠.
(٢) سورة النساء آية رقم ٧٨.