وليست للواجب ماهية كلية معروضة للتشخص على (١) ما تقرر في موضعه ، ولو فرض ذلك لكان الواجب مقولا على تلك الصور المأخوذة (٢) في الأذهان فيصير كثيرا ، ويبطل التوحيد.
وأجيب : بأنا لا نسلّم أن العلم بارتسام الصورة. ولو سلّم فلا كذلك العلم بالواجب ولا علم الواجب ، ولو سلّم فالمنافي للتوحيد تعدد أفراد الواجب لا الصور المأخوذة منه ، والمخل بالشخصية إمكان فرض صدق المفهوم على الكثيرين لا صدق الموجود العيني على الصور.
وثانيهما : أن تصور الشيء إما أن يحصل بالبديهة وهو منتف في الواجب وفاقا ، وإما بالحد ، وهو إنما يكون للمركب من الجنس والفصل ، والواجب ليس كذلك ، وإما بالرسم وهو لا يفيد العلم بالحقيقة والكلام فيه.
وأجيب : بأنا لا نسلّم انحصار طرق التصور في ذلك بل قد يحصل بالإلهام (٣) أو بخلق الله تعالى العلم الضروري بالكسبيات أو بصيرورة الأشياء مشاهدة للنفس عند مفارقتها البدن كسائر المجردات (٤) ولو سلّم فالرسم ، وإن لم يستلزم تصور الحقيقة. لكن قد يفضي إليه كما سبق.
__________________
(١) في (ب) كما بدلا من (على).
(٢) في (ب) الموجودة بدلا من (المأخوذة).
(٣) الإلهام : إلقاء الشيء في الروع ، ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملأ الأعلى قال تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) وذلك نحو ما عبر عنه بلمة الملك وبالنفث في الروح كقوله عليه الصلاة والسلام : «إن روح القدس نفث في روعي» وأصله من التهام الشيء وهو ابتلاعه.
راجع معجم مفردات ألفاظ القرآن.
(٤) المجرد اسم مفعول من التجريد ، ومعنى التجريد أن يعزل الذهن عنصرا من عناصر التصور ويلاحظه وحده دون النظر إلى العناصر المشاركة له في الوجود ، فالمجرد : هو الصفة أو العلاقة التي عزلت عزلا ذهنيا ويقابله المشخص أو المحسوس.
قال ابن سينا : كون الصورة مجردة إما أن تكون بتجريد العقل إياه وإما أن تكون تلك الصورة في نفسها مجردة عن المادة.
راجع الشفاء ١ : ٣٥٨.