الوقوع ، واللاوقوع في بعض الأفعال ، ورب فعل يتبع إرادة الغير كما للخدم والعبيد ، فينتقض الكبرى. ولو سلم الوجوب والامتناع ، فلم لا يجوز أن يكون بتبعية إرادة الله تعالى ، وقد وافقت إرادة العبد بطريق جري العادة.
الرابع : أن الله تعالى لو كان موجدا لأفعال العباد لكان فاعلا لها ، لأن معناهما واحد ، ولو كان فاعلا لها لكان متصفا بها لأنه لا معنى للكافر والظالم مثلا إلا فاعل الكفر والظلم وحينئذ يلزم أن يكون الباري تعالى وتقدس كافرا ظالما فاسقا آكلا شاربا قائما (١) قاعدا إلى غير ذلك من الفواحش التي لا يستطيع العاقل إجزاءها على اللسان ، بل إخطارها بالبال ، وهذه الشبهة كنا نسمعها من حمقى العوام والسوقية من المعتزلة فنتعجب حتى وجدناها في كتبهم المعتبرة ، فتحققنا أن التعصب يغطي على العقول ، وعنده تعمى القلوب التي في الصدور ، ولا أدري كيف ذهب عليهم أن مثل هذه الأسامي إنما تطلق على من قام به الفعل لا من أوجد الفعل أو لا يرون أن كثيرا من الصفات قد أوجدها الله تعالى في مجالها وفاقا ، ولا تتصف بها إلا المحال. نعم إذا ثبت بالدليل أن الموجد هو الله تعالى لزمهم صحة هذه التسمية بناء على أصلهم الفاسد في إطلاق المتكلم على الله تعالى لايجاده الكلام في بعض الأجسام ، وكأن قول القائل لخصمه : مذهبك باطل حجة لكونه كلام الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وهم لجهلهم يوردون مثل هذا الإلزام على أهل الحق ، ويجعلون قول السني للمعتزلي آذيتني ، أو طلبتك ، أو أقبل عليّ ، وما أشبه ذلك تركا للمذهب ، ويعتقدون أن إسناد الأفعال إلى العباد مجاز عند أهل السنة ـ [وتمادوا في ذلك حتى زعم بعض من يعتقده الشيعة (٢) أعلم الناس أن مثل طلعت الشمس مجاز عند أهل السنة]
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (قائما).
(٢) الشيعة : هم الذين شايعوا عليا ـ رضي الله عنه ـ وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية ، إما جليا أو خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة. لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو تقية من عنده وقالوا بأن الإمامة قضية أصولية ، وهي ركن الدين ويجمعهم القول : بوجوب التعيين والتنصيص ، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر.
راجع الملل والنحل ج ١ ص ١٤٦.