(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) (١) (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (٢) (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٣) (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (٤) (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٥) (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) (٦) إلى غير ذلك. فهي عندنا راجعة إلى خلق الإيمان والاهتداء ، والكفر والضلال بناء على ما مرّ من أنه الخالق وحده خلافا للمعتزلة بناء على أصلهم الفاسد. أنه لو خلق فيهم الهدى (٧) والضلال لما صح منه المدح والثواب والذم والعقاب فحملوا الهداية على الإرشاد إلى طريق الحق بالبيان ، ونصب الأدلة أو الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة ، والإضلال على الإهلاك ، والتعذيب أو التسمية والتثبيت (٨) والتلقيب بالضال أو ، الوجدان ضالا ولما ظهر على بعضهم أن بعض هذه المعاني تقبل التعليق بالمشيئة وبعضها لا يخص المؤمن دون الكافر ، وبعضها ليس مضافا إلى الله تعالى دون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبعض معاني الإضلال لا يقابل الهداية ، جعلوا الهداية بمعنى الدلالة الموصلة إلى النعيم (٩) والإضلال مع أنه فعل الشيطان مسندا إلى الله تعالى مجازا لما أنه بإقداره ، وتمكينه ، ولأن ضلالهم بواسطة ضربه المثل في (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (١٠) أو بواسطة الفتنة التي هي الابتلاء والتكليف في (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) (١١) ونحن نقول : بل الهداية هي الدلالة على الطريق الموصل سواء كانت موصلة أم لا والعدول إلى المجاز ، إنما ليصح عند تعذر الحقيقة ، ولا تعذر. وبعض المواضع من كلام الله تعالى يشهد للمتأمل بأن إضافة الهداية والإضلال إلى الله تعالى ليست إلا بطريق الحقيقة والله الهادي.
__________________
(١) سورة الأعراف آية رقم ١٥٥.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٢٦.
(٣) سورة البقرة آية رقم ٧.
(٤) سورة النساء آية رقم ١٥٥ وقد جاءت هذه الآية محرفة في أولها بزيادة (أي).
(٥) سورة الأنعام آية رقم ٢٥.
(٦) سورة البقرة آية رقم ١٥.
(٧) الهدى بضم الهاء وفتح الدال : الرشاد والدلالة يذكر ويؤنث قال تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) والمعنى ارشدنا وقيل : أي قدمنا إليه وقيل : ثبتنا عليه ، وقيل : وفقنا ، وقيل : ارزقنا ، وكلها أقوال متقاربة قال ابن عطية : الهداية في اللغة : الإرشاد لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد وكلها لو تأملت رجعت إليه.
(٨) في (ب) والتثبيت بدلا من (التلقيب).
(٩) في (ب) النعيم بدلا من البغية.
(١٠) سورة البقرة آية رقم ٢٦.
(١١) سورة الأعراف آية ١٥٥.