على صورته وعظموه تشفعا إلى الله تعالى وتوسلا (١) ، ومنهم اليهود القائلون : إن عزيرا ابن الله (٢) ؛ لما أحياه الله تعالى بعد موته وكان يقرأ التوراة عن ظهر قلبه ، ومنهم النصارى القائلون بأن المسيح ابن الله حيث ولد بلا أب ، وورد في الإنجيل ذكرهما بلفظ الأب والابن.
والجواب : أنه إن صح النقل من غير تحريف ، فمعنى الأبوة الربوبية ، وكونه المبدأ والمرجع ، ومعنى النبوة التوجه إلى جناب الحق عزوجل بالكلية كابن السبيل أو قصد التشريف والكرامة ، ولهذا نقل في الإنجيل مثل ذلك في حق الأمة أيضا حيث قال : إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم.
وبالجملة فنفي الشركة في الألوهية ثابت عقلا وشرعا وفي استحقاق العبادة شرعا ، (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣)
__________________
(١) وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها أن أم حبيبة ، وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية فيها تصاوير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
وذكر الثعلبي عن ابن عباس ـ قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسمّوها بأسمائهم تذكرونهم بها ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله.
(٢) قد روى أن سبب ذلك القول أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليهالسلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير يسيح في الأرض فأتاه جبريل فقال : أين تذهب. قال : أطلب العلم ، فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم ، وقيل : بل حفظها الله عزيرا كرامة منه له : فقال لبني إسرائيل إن الله حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده ، وكانت التوراة مدفونة ، كان دفنها علماؤهم حين أصابهم من الفتن والجلاء والمرض ، وقتل بختنصر إياهم ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا : إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله. حكاه الطبريّ. وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن الله ، إنما أرادوا نبوة النسل كما قالت العرب في الملائكة ، وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبريّ وغيرهما وهذا أشنع الكفر.
قال أبو المعالي : أطبقت النصارى على أن المسيح إله وأنه ابن إله قال ابن عطية ، ويقال إن بعضهم يعتقدها نبوة حنو ورحمة ، وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق النبوة عليه وهو كفر.
(٣) سورة التوبة آية رقم ٣١.