قال : ولنعد من الأدلة عدة بعد التنبيه على أصل الباب يريد إيراد عدة تقريرات للأصحاب.
الأول : لما ثبت بما سبق في إثبات الصانع وإبطال التسلسل انتهاء الحوادث إلى الواجب لزم كونه قادرا مختارا ، وإلا فإما أن يوجب حادثا بلا واسطة ، فيلزم التخلف ، حيث وجد في الأزل ، ولم يوجد في (١) الحادث أو لا فيلزم أن يكون كل حادث مسبوقا بآخر لا إلى نهاية وقد بين بطلانه.
الثاني : تأثير الواجب في وجود العالم يجب أن يكون بطريق القدرة والاختيار ، إذ لو كان بطريق الإيجاب ، فإما أن يكون بلا واسطة ، أو بوسط قديم فيلزم قدم العالم وقد بين حدوثه. وإما بوسط حادث ، فينقل الكلام إلى كيفية صدوره ، وتتسلسل الحوادث وقد بين بطلانه.
الثالث : اختلاف الأجسام بالأوصاف ، واختصاص كلّ بما له من الشكل واللون ، والطعم والرائحة ، وغير ذلك ، لا بد أن يكون لمخصص لامتناع التخصيص بلا مخصص ، فذلك المخصص لا يجوز أن يكون نفس الجسمية أو شيئا من لوازمها ، لكونها مشتركة بين الكل ، بل أمر آخر ، فينقل الكلام إلى اختصاصه بذلك الجسم ، فإما أن تتسلسل المخصصات وهو محال ، أو ينتهي إلى قادر مختار بناء على أن نسبة الموجب إلى الكل على السواء وهو المطلوب.
الرابع : لو كان موجد العالم وهو الله تعالى موجبا بالذات لزم من ارتفاع العالم ارتفاعه ، بمعنى أن يدل ارتفاعه على ارتفاعه. لأن العالم حينئذ (٢) يكون من لوازم ذاته ، ومعلوم بالضرورة أن ارتفاع اللازم يدل على ارتفاع الملزوم ، لأن ارتفاع الواجب محال. فتعين أن يكون تأثيره في العالم بطريق القدرة والاختيار دون اللزوم والإيجاب.
الخامس : اختصاص الكواكب والأقطاب (٣) لمحالها لو لم تكن بقادر مختار بل
__________________
(١) في (ب) بزيادة حرف الجر (في).
(٢) في (ب) حتى بدلا من (حينئذ).
(٣) في (ب) الأقطار بدلا من (الاقطاب).