وبعبارة اخرى : كان لتلك الأجزاء في السابق إمكان الجزئيّة فالأصل بقاء هذا الإمكان فيها في اللاحق ، وذلك لأنّ القاطع ولو فرض كونه في السابق في علم الله تعالى بحيث يوجد في اللاحق ، والمفروض مضريّته حينئذ حتّى بالنسبة إلى الأجزاء السابقة أيضا ، ولكنّ الأجزاء السابقة قبل تحقّق القاطع لا يخرج بمجرد هذا العلم عن وصف إمكان الجزئيّة.
نعم بعد تحقّق القاطع في الخارج يصير عدم الجزئية ضروريا ، وذلك ضرورة أنّ الممكن لا يزول عنه وصف الإمكان بمجرّد تعلّق علم الباري تعالى بتحقّقه أو عدم تحقّقه في اللاحق ؛ ولهذا نقول بأنّ المعصية الصادرة عن العبد في اللاحق في علم الله تعالى لا يخرج بمجرّد هذا العلم عن كونه اختياريا ومقدورا للعبد ، نعم بعد التحقّق الخارجي يصير ضروريا.
لا يقال : إنّ إمكان الجزئية الذي جعلته مجرى للاستصحاب ليس حكما شرعيا ولا موضوعا للحكم الشرعي ، كما هو واضح ، فكيف يكون هذا الاستصحاب جاريا.
لأنّا نقول : لا يعتبر في شمول «لا تنقض» إلّا كون المقام مما تناله يد الجعل ويكون إثباته ورفعه من وظيفة الشرع ، سواء كان حكما شرعيا أم موضوعا أم لم يكن شيئا منهما ولكن كان منشؤه بيد الشرع ، فيمكن شمول «لا تنقض» حينئذ أيضا باعتبار المنشأ ، فلا وجه لعدم عمومه ، وذلك مثل استصحاب الصّحة ، فإنّ الصحّة أمر عقلي ينتزعه العقل من الفعل التام الأجزاء والشرائط المعتبرة في المأمور به ، وإن شئت قلت : من موافقة الفعل الخارجي للمأمور به أو لغرض الآمر ، ومع ذلك يشملها عموم «لا تنقض» باعتبار أنّ منشأها وهو الأمر بيد الشارع.
فنقول : إمكان الجزئيّة في هذا المقام من هذا القبيل ، وذلك لأنّه كما يمكن للشارع أن يرفع قيديّة عدم القاطع للأجزاء واقعا حتى تكون الأجزاء ممكنة الجزئيّة واقعا عند وجود القاطع ، كذلك يمكنه أن يرفع القيديّة في حال الشك في وجود القاطع حتى يكون بقاء إمكان الجزئيّة في حال الشكّ في وجود القاطع محفوظا ، هذا.