فإنّ الاحتياط فيها غير ممكن ؛ لأنّ العمل قد مضى وفات ، ولا يمكن تدارك حرمته بعد وقوعه ، فهو أولى بأن يرفع أثرها وهو العقاب ، وأمّا الجهالة بأنّها في العدّة يعنى بالحرمة الأبديّة فهي ممكن فيها الاحتياط بأن يتجنّب عن تزويج الزوجة بعد ذلك ـ يعنى عند الالتفات والخروج عن الغفلة ـ فهو أقرب بأن لا يكون عذرا ويحكم بالحرمة الأبديّة بعد ذلك ، ولكنّه مع ذلك معذور فيه أيضا ، فله أن يتزوّجها بعد انقضاء عدّتها.
والشاهد على كون المراد بجهالة أنّها في العدّة هو الجهل باعتبار الأثر الوضعي دون التكليفي قول الإمام جوابا لقول الراوي : «فهو في الاخرى معذور؟ : نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها» فإنّ الظاهر من الجواب أنّه كان غرض السائل متعلّقا بالحرمة الأبديّة ، يعنى أنّه في جهالته بأنّها في العدّة وحرام عليه أبدا معذور ، فلا يثبت في حقّه الحرمة الأبديّة ، فيجوز له التزويج بعد الانقضاء أو لا؟.
وقد يستدلّ على البراءة في الشبهة الحكميّة بالحديث الشريف : «كلّ شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه».
تقريب الاستدلال أنّ معنى قوله «فيه حلال وحرام» أنّه كان فيه احتمال الحليّة واحتمال الحرمة ، وكان صالحا لأن يكون حلالا وأن يكون حراما ومردّدا بينهما ، فكلّ شىء كان هكذا كان محكوما بالحليّة بمقتضى قوله : فهو لك حلال ، وهذا شامل للشبهة في الحكم الكلّي وللشبهة في الحكم الناشئة من قبل الموضوع ، فلحم الحمير الذي يكون فيه احتمال الحرمة والحليّة ويكون شبهة حكميّة داخل في هذا الحكم ، واللحم الخاص الذي نشكّ أنّه حلال أو حرام للشكّ في كونه من المذكّى أو الميتة الذي يكون شبهة موضوعيّة أيضا داخل فيه ، هذا.
وقد استشكل شيخنا المرتضى قدسسره على هذا التقريب بأنّ الترديد خلاف ظاهر الرواية، وإنّما ظاهرها التقسيم ، بمعنى أنّ الظاهر من قوله : «فيه حلال وحرام» أن يكون القسم الحلال والقسم الحرام فيه موجودين فعلا ، بحيث صحّ تقسيمه إلى الحلال والحرام ، لا أن يكون القسمان غير موجودين فيه فعلا ،