الأمر الخامس
إذا دار الأمر بين اعتبار وجود شيء بالجزئيّة أو الشرطيّة وبين اعتبار عدمه بالمانعيّة أو القاطعيّة كان من باب الدوران بين المتباينين وليس من باب الدوران بين المحذورين ، لإمكان الاحتياط بإتيان العمل مرّتين مع هذا الشيء مرّة وبدونه اخرى ، نعم لو قام الإجماع على مضريّة التكرار فى العبادة كان من باب الدوران بين المحذورين ومقاما للتخيير ، وحيث جرى ذكر المانع والقاطع ناسب بسط الكلام فى بيان الفرق بينهما مفهوما وبيان الأصل المعمول عند الشبهة فى كلّ منهما حكميّة أم موضوعيّة.
فنقول : أمّا الفرق بينهما مفهوما فهو أنّه تارة يعتبر عدم واحد مستمر من أوّل العمل إلى آخره فى عرض أجزائه وشرائطه ، ويكون هذا العدم واحدا من أجزائه أو شرائطه ، وذلك كعدم التكلّم فى الصلاة ، وحينئذ فانتفاء هذا العدم لا يورث اختلالا فى الأجزاء او الشرائط السابقة بمعنى أنّها باقية على صحّتها التأهليّة ، وإنّما يمنع عن تحقّق أصل العمل لانتفاء جزئه أو شرطه العدمي.
واخرى يعتبر هذا العدم فى العمل على وجه يكون مرتبطا بتمام أجزائه وشرائطه وذلك بأن يكون قيدا ساريا فى تمام الأجزاء والشرائط بأن يعتبر فى كلّ جزء وشرط أن لا يتحقّق الشيء الفلاني مقارنا له ولا لاحقا ، وذلك كعدم الحدث فى الصلاة ، وحينئذ فانتفاء هذا العدم يورث اختلال نظام الأجزاء والشرائط المتقدّمة ويمحو عنها صورة الجزئيّة والشرطيّة ، فوجود الشيء فى الصورة الاولى يكون مانعا لأصل العمل ، وفى الثانية قاطعا له ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلأنّه قد قطع استمرار العدم الذي كان به قوام الأجزاء والشرائط السابقة.