قلت : سلّمنا تعميم الشك بإطلاقه الحالي ، ولكن حيث فرضت التقييد في اليقين يكون معنى المضيّ عليه وعدم نقضه هو الأخذ بعدالة يوم الجمعة لزيد ، وفرق بين المضيّ على اليقين السابق وإلغاء الشكّ اللاحق ، ونحن إنّما فسّرنا الأوّل بالثاني في باب الاستصحاب لما فرضناه هناك من اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ بتجريده عن الزمان ، وأمّا بعد اختلافهما كما هو المفروض فحال الشكّ حال الحجر في جنب الإنسان ، فلو اريد شمول الكلام للاستصحاب فلا بدّ من الإتيان بقضيّة اخرى مشتملة على موضوع ومحمول آخرين، وهو قولنا : واذا ثبت عدالة زيد في زمان فلو شككت في استمرارها في ما بعد هذا الزمان فابن على الاستمرار ، فالموضوع هو الشكّ في الاستمرار ، والمحمول هو الحكم به.
ومن هنا يظهر أنّه لا يمكن إرادة الحكم بالحدوث والحكم بالاستمرار معا من الكلام حتّى لو اريد منه القاعدة الثانية فقط ، فإنّ غاية تقريب الإمكان أن يقال : إنّ المراد باليقين اليقين بعدالة زيد في يوم الجمعة مثلا ، والشكّ قد يكون في عدالته في يوم الجمعة فقط مع القطع بالعدالة أو الفسق في ما بعده ، أو يكون في عدالته فيه وفي ما بعده ، فقضيّة الإطلاق عدم نقض اليقين بكلّ من الشكّين.
وفيه أنّه إن اريد اليقين على وجه التقييد فقد مرّ الكلام فيه ، وإن اريد على وجه الإطلاق حتّى يكون المراد أنّه إذا حصل اليقين بعدالة زيد في زمان فالشكّ في ما بعده ملغى ، سواء تعلّق بالحدوث أم به وبالبقاء ، ففيه أنّه لا يمكن الجمع ؛ لاختلاف القضيّتين موضوعا ومحمولا ، فالموضوع في إحداهما الشكّ في الحدوث والمحمول الحكم بأصل الثبوت ، والموضوع في الاخرى الشكّ في الاستمرار والمحمول الحكم به ، ولا يمكن إرادة كلا الشكّين من لفظ الشكّ ، ولا إرادة كلا المحمولين من لفظ عدم النقض في ما إذا قيل لا تنقض اليقين بالشكّ.
* * *