أنّهما لا يعرضان عليه بلا واسطة حتّى يمتنع حين اتّصافه بالقعود مثلا اتّصافه بالقيام ، بل هما عارضان أوّلا على الوجود ، والعارض الأوّلي على الطبيعة منحصر في الوجود والعدم ، وإذا تعدّد الوجودات العارضة على الطبيعة المهملة بوحدتها وكان واحد من تلك الوجودات قائما والآخر قاعدا ، فلا مانع من عروضهما الثانوي على الطبيعة في زمان واحد ، فالممتنع اجتماعهما في الوجود الواحد من وجوداته في زمان واحد ، لا في مطلق وجوده الصحيح إضافته إليه ، فإنّه لا محذور في اجتماع الضّدين فيه بحسب هذا الوجود لاتّساعه وسعته للضدّين بدون حدوث مضادّة ومزاحمة بينهما ، وهذا واضح.
إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : كما أنّ الانعدام لا يعرض الطبيعي إلّا إذا ارتفع جميع أنحاء وجوده ، ولا يصدق الانعدام مع بقاء واحد منها في دار الوجود ، كذلك لا يتلبّس الطبيعي بمشكوكيّة الوجود والعدم إلّا مع تلبّس جميع أنحاء وجوده بالشكّ ، ولا يصدق الشكّ فيه مع كون أحد أنحاء وجوده مقطوعا.
وحينئذ ففي الفرض الثالث من الفروض الثلاثة المتقدّمة التي فرضتم فيه الشكّ في أصل وجود عدالة زيد في العالم بالأعمّ من يوم الجمعة ويوم السبت لا بدّ في تحقّق هذا الشكّ من الشكّ في عدالته الخاصّة في كلّ من اليومين ؛ إذ مع القطع بأحد الخاصّين كيف يمكن تعلّق الشكّ بالعام الجامع بينهما؟ والحال أنّك عرفت أنّ الشكّ في المقسم لا يطرأ إلّا بطروّ الشكّ في جميع الأقسام ، وعلى هذا فالكلام يكون كالفرض الأوّل ممحّضا في الشكّ الساري ، لا جامعا بينه وبين الاستصحاب كما ادّعاه المدّعي.
الوجه الثاني : نظير ما ذكره صاحب الفصول في قاعدة «كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» من إمكان استفادة الاستصحاب وقاعدة الطهارة منها صدرا وذيلا ، وقد وافقه المحقّق الخراساني مصرّا عليه ، فقال هنا بنظير ذلك ، وحاصل تقريبه أن يقال : إنّا نعتبر المتيقّن مقيّدا بالزمان ، ولكن نقول : الشكّ فيه تارة مقرون بالقطع في ما بعده ، واخرى بالشكّ.