المتحقّق في مورد التعارض متحقّق ، ولعلّ السرّ في عدم الإحداث أنّ الأصل العقلائي متّبع ما دام لم ينشأ من ناحية المتكلّم خلافه ، وإلّا فلا اعتبار به.
وحاصل الفرق بين الحاكم والمحكوم وبين المطلق والمقيّد أنّ المصادمة هناك في موضوع واحد ، أعني في إكرام الزيد مثلا ، فأكرم العالم يقتضي بعمومه وجوب إكرام الزيد ، ولا تكرم زيدا يقتضي عدمه ، فالمصادمة بين نفس ما هو مفاد القضيتين ابتداء وهو الحكم على الموضوع الخارجي ، وأمّا في الحكومة فالمصادمة ليس بين نفس المفادين ، بل المفاد المطابقي للحاكم مصادم مع الأصل العقلائي الجاري في مفاد المحكوم ، أو مع الحكم العقلي كذلك.
ولا يخفى عدم انتقاض هذا الضابط بالدليلين الذين أحدهما متعرّض للعنوان الأوّلي ، والآخر للثانوي ، مثل دليل حليّة الغنم ، ودليل حرمة الغضب ، وكذا الأدلّة الواقعيّة مع الأدلّة الظاهريّة ، فإنّه لا منافاة بين هذين الدليلين حتّى باللازم أيضا ، وأمّا في الحكومة فعدم التنافي إنّما هو في النظرة الاولى ، وأمّا عند التأمّل فالتنافي ثابت.
وعلى كلّ حال ، هذا الميزان الذي ذكرنا منطبق على جميع الموارد ، فإنّ منها قاعدة لا ضرر مع الأدلّة الواقعيّة ، فنقول : دليل «توضّأ» مثلا ليس مفاده الأوّلي أنّ الوضوء الشيني مراد للشارع جدّا ومحبوب له واقعا ، بل إنّما مفاده الأوّلي جعل الإيجاب بحسب الإنشاء الشامل حتّى لمورد الضرر ، وأصالة الجهة والتطابق بين الجدّ والصورة حاكمة بأنّه مراد في مورد الضرر ، وهذا حكم صادر من العقلاء ، وأمّا لا ضرر فهو حكم من ناحية نفس المتكلّم بأنّه لا يصدر منّي حكم ضرري ولا ينقدح في نفسي وقلبي إرادة ضرريّة ، وهذا المفاد ليس مقابلا للمفاد الأوّلى من القضيّة الاولى ، بل لأصالة جهته.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما هو المقصود من أنّ وجه تقديم الأدلّة والأمارات على الاستصحاب وسائر الاصول التعبديّة هل هو الحكومة أو الورود ، فاعلم أنّ لازم الحكومة على أيّ معنى فسّرناها تخصيص المحكوم بحسب الواقع بغير مورد