يكون التكلّم في وجه التوفيق بين دليلين كلّ منهما رتّب فيه الحكم على موضوع واحد ، وهو الشاك من جميع الجهات فإن ادّعي الحيثيّة في أحدهما جرت مثلها في الآخر.
الثالث : أنّ عنوان تصديق العادل ليس بما هو موضوعا للوجوب مثل الإحسان لليتيم حتّى يقال : إنّ الفعل بعنوانه الأوّلي وإن كان مشكوك الحكم ، لكن بعنوانه الثانوي مقطوع، وكفى ذلك في مقطوعيّة الاستصحاب وسائر الاصول ، بل سمت ذلك سمت الطريقيّة ، ومعناه كونه عبرة وواسطة لعبور الحكم منه إلى العنوان الأوّلي للفعل ، فالوجوب ثابت لصلاة الجمعة التي أخبر العادل بوجوبها ، غاية الأمر في الرتبة الثانية.
وإذن فكما أنّ الدليل يفيد القطع بوجوبها بعنوانها وجوبا ثانويّا ، كذلك الاستصحاب لو قدّم يفيد القطع بحرمتها بعنوانها حرمة ثانويّة ، فأيّ مزيّة لأحدهما على الاخرى.
والحاصل تارة نقول : الموضوع في الأصل عدم الطريق ، وفي الأمارة القيد الذي يحكم العقل باعتباره صفة الشكّ والترديد ، فلا محيص حينئذ عن الورود ، لكنّ الفرض أنّهما معا متّحدان في أنّ الموضوع فيهما صفة الشكّ من جميع الوجوه مع قطع النظر عن حكم نفسه ، وهذا المعنى في حدّ ذاته متحقّق ، وبالأخذ بكلّ منهما مرتفع حقيقة ، فما وجه الترجيح لدليل الأمارة والطريق على دليل الأصل.
الرابع : عدم تماميّته في الشبهة الموضوعيّة ، فإنّه لا يثبت بالأمارة حقيقية كما كان يثبت الحكم بسببها كذلك ، لا أعني أنّ مرجع الأمارة الموضوعيّة جعل الحكم حتّى لا يصحّ الحكومة أيضا ، ضرورة أنّه يصحّ التعبير بجعل الموضوع بمصححيّة جعل حكمه ، وفائدته الحكومة على أصل حاكم ابتداء بجعل الحكم ، ولكنّ المقصود أنّه لا يتحقّق حقيقة الموضوع الخارجي بالتعبّد بوجوده ، كما هو واضح ، بل هو بعد باق على مشكوكيّة الوجود ، فلا يتحقّق فيها إلّا الحكومة. وقد نقل شيخنا الاستاد دام بقاه أنّه اورد بذلك على المحقّق المذكور في مجلس درسه وبعده ، فاعترف بوروده وأنّه لا محيص في هذا الشبهة عن التزام الحكومة.