فأما معنى اضافة الصادق عليهالسلام في الخبر المروي من (١) أفعال العباد إلى أنها مخلوقة لله تعالى خلق تقدير ، فجار على ما قدمنا بيانه من أنه تعالى لما كان مبينا لها مفصلا لحسنها من قبحها مميزا خيرها من شرها ، كان بذلك مقدرا لها ، وإذا كان مقدرا جاز أن يقال : انه خالق لها ، كما قالوا في مقدر الأديم ومربية ، ومبين ما يجيء منه من مراده وغيرها أنه خالق.
وقد صرح في الخبر بالمعنى الذي أشرنا اليه ، وأعرب عنه أحسن اعراب ، لقوله «خلق تقدير لا خلق تكوين».
فأما قوله عليهالسلام في الخبر «أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض» عن (٢) حسن التخلص والتمييز للحق من الباطل ، لان العباد غير مجبرين على أفعالهم عند من أمعن النّظر، بل هم مختارون لها وموقعون لجميعها بحسب إيثارهم ودواعيهم.
وقد لوحنا في صدر هذه المسألة بالدلالة على ذلك ، غير أنهم وان كانوا غير مجبرين ، فالأمر في أفعالهم غير مفوض إليهم من وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى لو لم يقدرهم ويمكنهم بالآلات وغيرها ، لما تمكنوا من تلك الافعال ، فأشفق عليهالسلام من أن يقتصر على نفي الإجبار عنهم ، فيظن أنهم مستقلون بنفوسهم ، وأنهم غير محتاجين الى الله تعالى في تلك الافعال فنفى التفويض ، ليعلم أن الأمر في تمكنهم وأقدارهم ليس إليهم.
والوجه الأخر : أن يكون المراد بنفي التفويض أن الأمر في تمييز هذه الافعال وترتيبها ، وتبين حسنها من قبحها ، وواجبها من ندبها ، ليس مفوضا إليهم بل هو مما يختص اللهعزوجل بالدلالة عليه والإرشاد.
__________________
(١) الظاهر زيادة كلمة «من».
(٢) ظ : فمن