مقتضاها ، فما أجبتم به أيضا بهذه الصفة.
قلنا : الفرق بين الأمرين واضح ، فإن العادة قد جرت للعرب بما ذكرناه في الجواب الأول من المجاز ، وهو في كلامهم وأشعارهم ظاهر شائع ، حتى كاد يلحق بالحقيقة ، وما جرت عادتهم باسم الهدهد وما أشبهه من البهائم شخصا عاقلا مكلفا على سبيل الإفادة ولا التقليب ، فعدلنا عن مجاز [غير] معهود ولا مألوف إلى مجاز معهود مألوف.
وأما الجواب الثاني فلا نسلم أنه مجاز ، ولا فيه من الاستعارة ، لان من حكى معاني كلام غيره بلغة أخرى ، أو على ترتيب آخر بعد أن لا يتجاوز تلك المعاني ولا يتعداها ، وان عبر عنها بغير تلك العبارة لا يقول أحد أنه متجوز ولا مستعير. فبان الفرق بين الموضعين.
فان قيل : قد شبهتم شيئا بما لا يشبهه ، لأن القائل :
امتلاء الحوض وقال قطني |
|
مهلا رويدا قد ملأت بطني |
إنما مراده امتلاء حتى لو كان ممن يقول لقال كذا ، وكذلك الجبل انما حكى عنه ما لو كان قائلا لقاله ، وقوله «وشكا الي بعبرة وتحمحم» أي فهمت من بعيره (١) وحمحمته التألم والشكوى ، فأين نظير ذلك في الهدهد.
قلنا : مثل هذا قائم في الحكاية عن الهدهد ، لان سليمان عليهالسلام لما رأى أن الهدهد انما ورد اليه من مدينة سبإ حكي عنه ما لو كان قائلا لقاله من أحوالها وصفة ملكها ، ومعلوم أن الأمر كذلك ، لان الهدهد لو كان قائلا لقال ، وقد عاين ذلك الملك «انني علمت ما لم تعلم وأني وجدت امرأة تملكهم ولها عرش عظيم (٢)» والعرش ها هنا هو الملك أو الكرسي الذي حكيناه.
__________________
(١) ظ : عبرته.
(٢) سورة النمل : ٢٣ والآية كذا (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).