الْمُقَرَّبُونَ) فإنه لا يدل على فضل الملائكة على الأنبياء من وجوه ثلاثة :
أولها : أنه غير ممتنع أن يكون جميع الملائكة عليهمالسلام أفضل وأكثر ثوابا من المسيح عليهالسلام ، وان كان المسيح أفضل وأكثر ثوابا من كل واحد من الملائكة ، وهو مسألة الخلاف.
ولم يقل تعالى : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا جبرائيل ولا ميكائيل. فيدل على أن المؤخرة ذكره أفضل ، وأن جبرائيل أفضل من المسيح بل قال (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) وهذا لفظ يقتضي جماعتهم. ولا يمتنع أن يكون الجمع من الملائكة أفضل من كل واحد من الأنبياء عليهمالسلام.
والجواب الثاني : ان المؤخر في مثل هذا الخطاب المذكور في الآية لا بدّ من أن يكون إما أفضل من المقدم ، أو مقارنا له في الفضل. ولا يجوز أن [لا] يكون مقارنا له في الفضل.
ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول القائل : لن يستنكف الأمير إن يزورني ولا الحارس ، ويحسن أن يقول : لن يستنكف الأمير الفلاني أن يزورني ولا الأمير الفلاني إذا كانا مقارنين ومدانيين في الفضل. وكذلك لن يستنكف الأمير ولا الوزير للمقارنة.
والجواب الثالث : أنه من الجائز أن يكون الله تعالى خاطب بهذه الآية قوما كانوا يعتقدون فضل الملائكة على الأنبياء ، فأجرى الخطاب على اعتقاداتهم كما قال تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(١) ونحن عند قومك ونفسك ، وكما قال تعالى (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً)(٢) وقد يقول أحدنا لغيره : لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ولا أبوك ، وان اعتقد القائل ان أباه
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٩.
(٢) سورة طه : ٩٧.