وليس لأحد أن يقول : ان ذلك المقال قد يستعمل في المتماثلين في الفضل لانه ليس في الأمة قائل به ، وانما الأمة قائلان : قائل يقول الأنبياء أفضل وقائل يقول الملائكة أفضل. وليس يصلح كما بينا التنبيه في مثل هذا المقال بالمفضول بل بالأفضل.
وقد تقدم في ذلك قول من يقول إنما ثنى بذكرهم لأنهم عبدوا المسيح عليهالسلام ، لان ذلك لا يؤثر فيما قد بينا أن العرف في الكلام يقتضيه ، وكذلك الظاهر.
وقوله تعالى (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)(١) يدل على عظم حال الملك.
وقوله تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٢).
وقوله تعالى حكاية عن إبليس (لعنه الله) (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)(٣) يدل على عظم حال الملك ، وأنه المعلوم له ولهما ، ولو لا ذلك ما رغبهما في أمرهما أفضل منه ، ولكان الله سبحانه قد أنكر عليه.
فليتطول بما عنده في ذلك مثابا إن شاء الله تعالى.
الجواب :
أمّا قوله تعالى (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ
__________________
(١) سورة هود : ٣١.
(٢) سورة يوسف : ٣١.
(٣) سورة الأعراف : ٢٠.