فأما ما انتهى الفصل اليه من قوله : وإذا ثبت غناء العلم عن أمر زائد ، فالموجب له ما تجدد بحسبه فقد بينا أن كون العالم عالما غير مستغن عن أمر زائد يوجب كونه على هذه الصفة ، فلا معنى للبناء على ذلك.
وقوله «إذا كان العلم واحدا وجب أن يكون متولدا عن خبر وإفضاؤه بذلك الى الخبر الذي يحصل عنده» باطل ، لأنا نعلم أن كل خبر يشار اليه من أخبار الناقلين للبلدان والأمصار لو انفرد عما تقدم وتأخر عنه ، لما حصل عنده علم ولا زال به شك. فلو كان موجبا للعلم إيجاب العلل لا وجب ذلك ، متقدما كان أو متأخرا ، مقترنا بغيره أو منفردا.
وهذا أحد ما استدل به الشيوخ على أن الاخبار لا توجب العلم ، قالوا : لان الخبر الواحد ، أو الاخبار الكثيرة لو أوجبت العلم وهو جزء واحد ، لوجب أن يكون المتسبب الواحد حاصلا عن أسباب كثيرة ، وهذا يجري في الفساد مجرى حصول المقدور الواحد عن قدر كثيرة.
فإذا قيل لهم : يجب عن سبب واحد وعن حرف واحد من حرف الخبر.
قالوا : لو كان كذلك لوجب متى انفرد هذا الحرف من باقي الحرف أن يجب عنه العلم ، وقد علمنا خلاف ذلك.
وهب أنه أمكن القول بإيجاب الخبر للعلم من حيث تجدد عند إدراكه وان كنا قد بينا بطلانه ، كيف يمكن أن يقال : فما حصل لنا العلم به من الجواهر المدركة ، وقد علمنا وجوب حصول ذلك عند تكامل الشروط ، كوجوب حصول العلم بمخبر الاخبار.
وليس هاهنا ما يمكن أن يسند إيجاب العلم اليه ، الا الجوهر فان الإدراك ليس بمعنى ، ولا شبهة في أن الجوهر ليس بعلة في إيجاب حال من الأحوال.