ثم لا يوجد من الفضلاء من أنفذ أحد ثقاته الى وكيل في ناحية يستدعي منه حمل غلة ، أو يأمره بابتياع ضيعة ، فيوقف (١) الوكيل عن سماع قول من أنفذه ، وكف عن إنفاذ ما رسمه ، حتى يشافهه بذلك ، أو تواتر عليه من يكون خبره طريقا للعلم على ما يذهب اليه من قال بالتواتر ، فعذرة صاحبه وحمده على أن لم يغرر بماله ، هذا ما يرجع الى الوكيل.
فان قرر بإنفاذ الغلة وابتياع الضيعة وعاد الذي أنفذه بذلك ، فتوقف عن تسليم الغلة وتصحيح ثمن الضيعة ، وقال : لا أقدم على شيء من ذلك الا أن أشاهده ، أو يتواتر عليّ الخبر به ، عد ناقصا.
لانه متى فعل ذلك فاعل وسلكه سالك ، خرج عن عادات العقلاء ، ودخل فيما ينسب لأجله إلى قلة المعرفة ، أو حدوث مرض ، وهكذا من أشعره سلطانه أو بعض إخوانه لحاجة إلى الاجتماع معه لأمر يهمه ، ثم أنفذ إليه بأحد من يعلم اختصاصه به وسكونه إليه ، فأخبره بخلوه وباستدعائه ، فتوقف عن إجابته ، وطلب ما يقطع عذره من مشاهدة أو تواتر. ونظائر ذلك كثيرة لا يأتي عليها تعداد.
فان كان جميع التصرف التابع لأخبار الآحاد تابعا لظن أو حسبان ، لا لعلم ويقين لتمام الحيلة في بعضها ، وان خاف الكذب في بعض آخر منها ، فما الفرق بين من قال ذلك ، وبين من قال مثله في التصرف التابع للإدراك ، ولخبر العدد الكثير لتمام الحيلة وانكشاف الكذب في بعضها.
أما تمام الحيلة في المدركات من الوكلاء والمودعين والخزان والموثقين في الملابس والأواني والآلات والجواهر والمآكل والمشارب والحيوان وسائر
__________________
(١) ظ : فتوقف.