الشارع عن العمل به على ما مرّ بيانه مفصّلا. وما اخترناه من قابلية القطع لمنع الشارع ليس ببدع من القول ، فقد صرّح به صاحب الفصول في قطع القطّاع في مبحث المستقلّات العقلية ، وكذا كاشف الغطاء في مبحث كثير الشكّ على ما حكاه عنه المصنف في ثالث تنبيهات المسألة (١) وكذا جمهور الأخباريّين المنكرين للملازمة بين حكم العقل والشرع بدعوى أنّ الشارع قد رخّص في ترك متابعة حكم العقل بدليل (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢) وإن كنّا نمنع مقالتهم هناك لمنع صحّة الأدلّة التي استدلّوا بها على المنع ، إلّا أنّه أمر معقول لو ثبت بدليل يجب الأخذ به ، ولعلّنا نقول بذلك في القطع الحاصل من القياس لأخبار المنع عن العمل به مطلقا ، ويشهد له ما ورد (٣) من ردع من قطع بالقياس على أنّ دية أربع أصابع المرأة أربعون بعيرا قياسا على دية الإصبع الواحد بعشرة وإصبعين بعشرين وثلاثة بثلاثين حتى قال لمن أخبره بأنّ في الأربع عشرين : أنّ الذي جاء به الشيطان بقوله عليهالسلام : «إنّ السنّة إذا قيست محق الدين».
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ أمثال هذا الخبر في مقام الردع عن القطع والتنبيه على أنّ هذه المناسبات ليست علّة للأحكام ، بل هي مبنية على حكم خفيّة يعلمها جاعلها ، هذا.
وقد يستدل أيضا على عدم قابلية القطع للجعل بأنّه لو كان مجعولا لثبت بدليل لا محالة ، وغاية ما يفيد ذلك الدليل هو القطع فننقل الكلام إلى هذا القطع بمجعولية القطع الأول فإنّه أيضا يحتاج إلى الجعل إذ هو مثل القطع الأول ، فليس
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٦٥.
(٢) الإسراء ١٧ : ١٥.
(٣) الوسائل ٢٩ : ٣٥٢ / أبواب ديات الأعضاء ب ٤٤ ح ١.