ثم لا يخفى أنّه لو قلنا بأنّ مؤدّى الأصول والأمارات أحكام ظاهرية مجعولة في قبال الأحكام الواقعية كما قد يظهر من المصنف في بعض المقامات ، فلا ريب أنّ مخالفتها معصية واقعية وإن لم يتفق مخالفة الأحكام الواقعية وكان بالنسبة إليها محض التجرّي.
الثاني : أنّ النزاع يجري في القطع الطريقي المحض وهو واضح ، وفي القطع الموضوعي إذا كان القطع جزءاً للموضوع لا تمامه ، سواء كان مأخوذا على وجه الطريقية أو كونه صفة خاصة ، مثلا لو كان الخمر المقطوع به موضوع الحرمة فإن تخلّف قطعه بالخمرية عن الواقع تحقّق موضوع مسألة التجرّي ، أما إذا كان القطع تمام الموضوع كأن يكون مقطوع الخمرية موضوع حكم الحرمة فلا تشمله مسألة التجرّي ، بل لا يتصور فيه التجرّي لعدم إمكان التخلف فيه ، إذ الموضوع بالفرض ما قطع بخمريته وقد حصل لا الخمر حتى يتصوّر التخلف.
الثالث : أنّ النزاع هل هو في استحقاق العبد للعقاب بالتجرّي حتى تكون المسألة كلامية كما يظهر من بعض التعبيرات للمصنف وغيره ، أو في حكم العقل بقبح التجرّي وعدمه حتى تكون المسألة أصولية كما يشهد به أيضا بعض التعابير ، أو في أنّ التجرّي حرام أم لا حتى تكون المسألة فقهية؟ الظاهر أنّه يمكن اعتبار النزاع بالوجوه الثلاثة (١).
__________________
بالتبع ، فإذا علم حال ما هو طريق بنفسه منجعل في نفسه ، يعلم حال ما هو طريق مجعول بجعل الشارع وما هو بدل منه يقوم مقامه.
(١) أقول : إن حرّر النزاع على الوجه الثاني أي في حكم العقل بقبح التجرّي وعدمه ، يكون النزاع في وجود هذا الحكم العقلي وعدمه فلا تكون المسألة أصولية ، لأنّ موضوع علم الأصول أدلّة الفقه ومنها حكم العقل ، ومسائل الأصول ما يبحث عن أحوال الموضوع