غالبا ، إلّا أنّ المناط في التكليف مصلحة الأمر ، وحينئذ فيمكن أن يكون الأمر بما قطع العقل بحسنه خلاف المصلحة ، وكذا النهي عمّا قطع العقل بقبحه خلاف المصلحة ، كما يشاهد ذلك في عدم تكليف الشارع للصبي المراهق الذي هو في غاية الفطانة ويحكم عقله بقبح القبائح وحسن الأفعال الحسنة بمثل العقلاء البالغين ، مع أنّ تكليف مثل هذا الصبي وسائر البالغين في حكم العقل سواء لو لم يلاحظ جهة مصالح الأمر ، ولعلّ مصلحة عدم تكليف مثل هذا الصبي مراعاة اطراد الحكم لعموم الخلائق ، مع أنّ الغالب عدم كمال فطنتهم في هذا السن.
وأمّا تقرير الاستدلال عليه ، هو أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح النفس الأمرية ، وما يدرك العقل حسنه أو قبحه يتبعه الحكم إذا كان ذلك موافقا لنفس الأمر ، ولمّا وجدنا كثرة الاشتباه والغلط في الأحكام العقلية لم نعتمد على كونها موافقا لنفس الأمر حتى نحكم بثبوت الحكم الشرعي على طبقها. وما يقال : إنّ القاطع لا يحتمل اشتباهه وخطأه في قطعه فقد مرّ جوابه آنفا.
قوله : فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع ، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعية طابق النعل بالنعل (١).
(١) قد أجاب عن هذا الشق من الترديد بوجهين :
الأول : عدم معقولية طرح الحكم العقلي وترك الاعتماد عليه بعد حصوله.
والثاني : النقض بكثرة الخطأ في الشرعيات أيضا بعين التقرير في
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٥١.