وأمّا أنّه لا يمكن الركون إليه مع هذا الوصف فواضح أيضا ، لعدم كونه طريقا إلى الواقع حقيقة والحال هذه ، وما يرى أنّه طريق وكاشف عن الواقع مجرّد خيال لا أصل له وإلّا لما أخطأ بهذه المرتبة من الكثرة.
فإن قلت : إنّ القاطع لا يحتمل في نفسه خطأ قطعه وإلّا لزال قطعه.
قلت : نعم ولكن الفقيه كيف يفتي بوجوب متابعة القطع الذي يعلم أكثريّة خطئه ويوقع المقلّدين في هذه الأخطاء الكثيرة ، بل القاطع أيضا إذا لاحظ كثرة الخطأ في القطع العقلي بهذه المثابة لتوقّف عن الاعتماد عليه وإن لم يحتمل في كل قطع بخصوصه خلاف ما قطع به ، واعتذر بأنّ سلوك نوع هذا الطريق كثير الخطر فيترك متابعة قطعه الخاصّ لحماية الحمى ، هذا غاية توجيه الاستدلال.
وقد يقال : إنّ كلام الأخباريّ هنا واستدلالاته يعمّ مسألة الملازمة أيضا ، ويريد إثبات كون العقل معزولا في استنباط الأحكام الشرعية بل مطلق العلوم النظرية.
أمّا عدم جواز الاعتماد على القطع العقلي بالحكم الشرعي بمعنى عدم وجوب متابعته في مقام تنجّز التكليف وإن كان الحكم ثابتا في نفس الأمر ، فقد مرّ بيان إمكانه وتقرير الدليل عليه.
وأمّا عدم جواز الاعتماد عليه بمعنى عدم جواز إثبات الحكم الشرعي به الذي عنون في قاعدة الملازمة ، فوجه معقوليته أنّ غاية ما يحكم به العقل أنّ الفعل الكذائي حسن أو قبيح يستحقّ فاعله المدح أو الذم ، وأنّه يقتضي أمر الشارع به أو نهيه عنه نظرا إلى حكمته ، لكنّه مع ذلك لا يستلزم أن يكون الشارع قد أمر به أو نهى عنه ، إذ التحقيق أنّ فعلية التكليف من الشارع تابعة لمصلحة الأمر لا المأمور به ، وإن كانت مصلحة المأمور به تكون سببا لمصلحة الأمر