والتحقيق أنّ السر في عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة أنّ المعلوم بالإجمال هنا كالمشتبه البدوي في نظر العقل والعقلاء ، لأنّهم ينزّلون هذا العلم منزلة العدم ولا يعتنون به بالمرة ، فلم تخصص قاعدة الاحتياط باعتبار عدم وجوبه في الشبهة غير المحصورة.
وأما المثال الثاني فهو مبني على مذهب من يحكم بوجوب الاحتياط في الشك بين الأقل والأكثر الاستقلالي في أمثال هذا الفرض مما كان المعلوم بالإجمال معلوما بالتفصيل أوّلا ثم طرأ عليه الإجمال ، وإن كان هذا هو التحقيق إلّا أنّه خلاف مختار المصنف والمشهور بل لم يذهب إلى الأول إلّا شاذ منهم.
قوله : بل أدلة نفي العسر بالنسبة إلى قاعدة الاحتياط من قبيل الدليل بالنسبة إلى الأصل (١).
(١) هذا الكلام يحتمل وجوها :
أحدها : أنّ أدلة نفي العسر بالنسبة إلى قاعدة الاحتياط من قبيل الدليل الاجتهادي بالنسبة إلى البراءة العقلية ، حيث إنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط معلق على عدم ترخيص الشارع ترك الاحتياط بمثل دليل الحرج ، كما أنّ حكم العقل بالبراءة معلق على عدم وصول بيان من الشارع.
وفيه : أنّ هذا الوجه وإن كان حقا إلّا أنّه خلاف مختار الماتن كما مرّ ، لأنّه ينكر حكم العقل المعلق ولذا يقول في الشبهة المحصورة إنّه لا يمكن حمل قوله (عليهالسلام) «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» (٢) على ترخيص ارتكاب المشتبهين أو أحدهما لمنافاته لحكم العقل
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٤١٠.
(٢) الوسائل ١٧ : ٨٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١.