ثم إنّه يمكن أن يكون إنكار الأخباريين لحجية هذا القسم من القطع راجعا إلى ما أنكروه من الملازمة بين حكم العقل والشرع على ما هو معنون في تلك المسألة ، لكن الظاهر أنّه غيره ، والفرق أنّ النزاع في تلك المسألة في أنّه بعد ما حكم العقل بحسن الفعل أو قبحه بمعنى استحقاق الفاعل للمدح والذم في حكم العقل فهل يحكم بكونه كذلك في حكم الشرع أيضا حتى يستكشف من ذلك أنّه مأمور به أو منهيّ عنه عند الشارع أم لا ، والنزاع هنا في أنّه بعد القطع بأنّ الفعل مأمور به أو منهيّ عنه عند الشارع وكان ذلك القطع من المقدّمات العقلية المحضة فهل هو حجّة واجب الاتّباع أم لا.
وما يقال : من أنّ اتّحاد بعض أدلة الأخباريين كبعض الأخبار التي استدلّوا بها في المقامين كاشف عن اتّحاد المقامين عندهم ، يندفع بأنّ اتّحاد الدليل لا يستلزم اتّحاد المدّعى ، ويمكن أن يستفاد من دليل واحد أمور متعدّدة ، مضافا إلى اختلاف بعض أدلّتهم الآخر ككون الأحكام العقلية كثيرة الخطأ على ما استدلوا به في مقامنا كما هو مذكور في المتن.
ثم إنّ مخالفة الأخباريين هنا هل هي في مطلق القطع الحاصل من المقدّمات العقلية في أصول الدين وأصول الفقه والفروع في المستقلّات العقلية والاستلزامات ، أم يختصّ ببعض المذكورات؟ ظاهر ما أسند إليهم المصنف بل ظاهر أكثر عباراتهم المنقولة في المتن وغيرها هو الأول ، إلّا أنّ الكلام في أنّ النزاع بهذا الوجه من العموم معقول أم لا.
فنقول : لا ريب أنّه يمكن المنع عن القطع العقلي بمعنى ترك الخوض في المقدّمات العقلية المحصّلة للقطع أحيانا أو دائما فإنّ ذلك معقول لا سترة فيه ، وكذا يمكن المنع بمعنى الإلزام على الخوض في المقدّمات الشرعية لحكمة