يحكم بحرمته شرعا بقاعدة الملازمة.
توجيه الثاني أن يقال : حكم العقل بحرمة التجرّي من قبيل حكمه بحرمة العصيان في المعاصي الحقيقية ، فلا يقال إنّ فعل الزنا مثلا حرام شرعيّ وعنوان العصيان الذي يحصل به ويحكم بقبحه العقل حرام آخر شرعي بقاعدة الملازمة حتى يتحقق في ضمن هذا الفعل الواحد محرّمان شرعيان ، بل يقال : إنّ حكم العقل بقبح عنوان المخالفة والعصيان وحرمته إرشادي كما في حكمه بحسن الإطاعة فإنّه إرشادي لا يصير بقاعدة الملازمة حكما شرعيا مولويا ، ومن هنا تحمل الخطابات الواردة في الشرع من هذا القبيل كقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(١) على الإرشاد لا التكليف ، فنقول : إنّ حكم العقل بقبح التجرّي نظير حكمه بقبح المعصية إرشادي لا يفيد تكليفا شرعيا ، بل هو عينه لا نظيره على ما تقدّم سابقا في دليل حرمة التجرّي من أنّ مناط الحرمة في المعصية الحقيقية والتجرّي شيء واحد وهو الجرأة على المولى وهتكه وعدم المبالاة بشأنه في أوامره وزواجره.
وتحقيق المقام موقوف على تحقيق ملاك إرشادية أوامر الإطاعة وميزان الفرق بينها وبين الأوامر المولوية فنقول : فيه وجوه :
الأول : ما قيل من أنّ الضابطة في ذلك أنّه إن كان الحسن الذي يستدرك بإتيان متعلق الأمر وكذا القبح الذي يتبع إتيان متعلّق النهي متوقفا على وجود ذلك الأمر أو النهي ، فهذا تكليف شرعي مولوي ليس بإرشادي ، وذلك كالأمر بالصلاة والنهي عن الزنا فإنّ ما يتبعهما من حسن الإطاعة وقبح المعصية المستلزمة لاستحقاق الثواب والعقاب موقوف على ذلك الأمر أو النهي وإلّا لم
__________________
(١) النساء ٤ : ٥٩.