وأما الإجماع فيظهر دعواه من المصنف ويشير إليه كلام العناوين وحكي عن غيرهما أيضا ، والمراد الإجماع على القاعدة الكلية بحيث لو ثبت وجود تكليف حرجي كان مخصّصا للقاعدة ، وإلّا فتحقق الإجماع في بعض صغريات القاعدة مما لا ينكر ولا ينفع في إثبات القاعدة البتة.
والجواب عن هذا الدليل : أنّ المحكي من الإجماع لا حجية فيه والمحصل منه لم نحصله ، بل لم نجد الإشارة إلى هذه القاعدة إلّا في كلمات بعض المتأخرين ، بل نجد عمل الكل مخالفا للقاعدة جزما ، فهل ترى أنّ أحدا من العلماء يفتي بعدم حرمة الزنا واللواط والسرقة وغيرها من المحرمات إذا كان تركها حرجا في حق المكلف ، أو يفتي بعدم وجوب الصلاة والصوم والزكاة وغيرها إذا كان فعلها حرجا على المكلف ، حاشا ثم حاشا.
نعم قد ثبت رفع بعض التكاليف الحرجية في بعض العبادات كالوضوء والغسل والانتقال إلى التيمم في الجملة بالنص والإجماع ، وأين هذا من الإجماع على القاعدة.
وأما الكتاب فاستدل منه بآيات منها قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) بناء على أنّ المراد من الوسع هو السعة والسهولة في مقابل الضيق كما حكاه في المجمع عن بعض وإن ضعفه.
وفيه : أنّ الوسع هو الطاقة كما صرّح به اللغويون والمفسرون ، فمفاده عدم تكليفه تعالى ما لا تطيقه النفس ، ولا كلام فيه.
ومنها : قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٨٦.