وفيه أوّلا : أنّ هذا مبني على القول بوجوب اللطف ووجوب جميع الألطاف ، ونحن إن لم نمنع وجوب اللطف بالمرة نمنع وجوب كل لطف ، وبيانه موكول إلى محله.
وثانيا : أنا نمنع منافاة التكليف الحرجي في قليل من الموارد للطف ، وإنما نسلّم المنافاة لو كانت التكاليف بأسرها أو معظمها حرجيا ، فلا ينفع فيما أرادوه ومن رفع الموارد الحرجية بالنسبة إلى كل تكليف ثبت بعموم دليله أو إطلاقه ، ويؤيد عدم حكم العقل على رفع الحرج كلية بل يدل عليه ثبوت التكاليف الحرجية في الأمم السابقة كما نطقت به الأخبار الكثيرة بل ظاهر الآية في قوله : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)(١) على وجه مثل أنهم إذا أصابتهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وأمثال ذلك ، بل ثبتت التكاليف الحرجية في هذه الشريعة أيضا كالجهاد والحج والصوم في شدة الحر وأمثالها ، ومنع كونها حرجا كما في العناوين مصرّا عليه مبالغا فيه في غير المحل جزما ، والقول بأنّ الحرج مقتض لرفع التكليف إلّا أنّ المصالح العظيمة ربما منعت من تأثيره أثره يهدم أساس القاعدة رأسا ، إذ كل مورد من موارد الحرج يحتمل أن يكون التكليف فيه مشتملا على مثل هذه المصلحة.
وما يقال من أنّا نستكشف المصلحة الكذائية في الجهاد ونحوه من أمر الشارع به وأما في غيره فالأصل عدمها.
فيه : أنّه يكفي في أمر الشارع بجميع التكاليف الحرجية العمومات المثبتة للتكاليف ، بل يمكن أن يقال إنه إذا اقتضت المصلحة أن يكلف الشارع التكليف الحرجي فعدمه قبيح.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٨٦.