يأتي إن شاء الله تعالى ، وقد عرفت أنّ المصنف ادّعى قيام الأدلة الأربعة على أصل القاعدة ونحن نشير إليها فنقول :
أما العقل فإنّه يقرر بأحد وجهين :
أحدهما : ما أشار إليه المصنف بقوله : لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب اختلال نظام أمر المكلف انتهى (١). ولا يخفى أنّ هذا الوجه يثبت القاعدة في الجملة يعني فيما يوجب ثبوت التكليف فيها اختلال النظام ، وبهذا الحكم العقلي أثبتوا وجوب الصنائع كفاية لإقامة نظام العالم.
والحق أنّ اختلال النظام إذا بلغ إلى حدّ ينجرّ إلى فناء نوع بني آدم ، أو كان اختلال نظام أمر المعاش موجبا لاختلال نظام أمر المعاد فلا ريب أنّ العقل يحكم بعدم جواز ما يوجبه لأنّه نقض لغرض الخلق وجعل التكليف ، وإن لم يبلغ إلى هذا الحد كالاختلال الذي يلزم من انتفاء بعض الصنائع ، فنمنع استقلال العقل بوجوب رفعه ، والمنازع مكابر أو مقلد لبعض من سبقه.
ثانيهما : ما أشار إليه في العناوين (٢) من أنّ ارتفاع التكاليف الحرجية مقتضى اللطف الواجب على الله على مذهب العدلية ، وثبوت التكاليف الشاقة لكونها موجبة للمخالفة والعصيان كثيرا جدا مناف للطف المفسر بما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، فإنّ التكليف الشاق مقرّب إلى المعصية مبعد عن الطاعة لأغلب الناس كما هو واضح ، ثم بالغ (رحمهالله) في توجيه هذا الوجه وتقريبه إلى الأذهان بذكر الأمثلة العرفية ودفع ما أورد عليه وما يحتمل أن يورد أشد المبالغة حتى ألحقه بزعمه بالواضحات.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٤٠٧.
(٢) العناوين ١ : ٢٨٦.