إلّا نفس الطرق للأحكام الشرعية ، ولا يمكن كونها وسطا للأحكام بوجه من الوجوه ، مثلا نقول : صلاة الجمعة واجبة بدليل الإجماع أو بدليل الكتاب أو السنّة ، فالإجماع والكتاب أو السنّة دليل الحكم ، ولا يصحّ جعل واحد منها وسطا للقياس إلّا ما يتوهّم بأنّه يصحّ أن يقال هذا ما قام به الإجماع وكلّ ما قام به الإجماع فهو ثابت ، وبهذا أيضا لا يثبت كون الإجماع وسطا إذ معنى لفظ هذا القياس في الحقيقة أنّ وجوب الجمعة حكم قام به الإجماع وكل حكم قام به الإجماع فهو ثابت ، فالوسط في الحقيقة هو الحكم لا الإجماع ، نعم له دخل في الوسط ، فإن كان المراد بكونه وسطا هذا المقدار فلا مشاحّة (١).
قوله : فقولنا الظنّ حجّة (٢).
(١) إن أراد أنّ الظنّ لو أخذ موضوعا حجّة يكون وسطا ، ففيه أنّ القطع أيضا كذلك كما مرّ منّا وسيجيء من المصنف صريحا ، وهذا ليس مراده قطعا هنا ، وإن أراد أنّ الظنّ الطريقي حجّة يكون وسطا حتّى يصح أن يقال هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمريّة حرام ، فيقال له : إن أريد بكون الظنّ حجة ووسطا كونه كذلك بالنسبة إلى الحكم الظاهري الفعلي التنجيزيّ ، فالقطع أيضا كذلك فيصحّ أن يقال : إنّ هذا مقطوع الخمرية وكل مقطوع الخمرية حرام يعني بحسب الحكم الظاهري الفعلي التنجيزيّ ، إذ كما أنّ الظنّ المعتبر يجب تطبيق العمل
__________________
(١) أقول : لعلّ هذا الكلام من الزلّات التي لا يخلو منها أحد ، ألا ترى أنّ الوسط والدليل في قولنا العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث هو التغيّر لا المتغيّر ، والتعبير بالمتغيّر إنّما هو لتصحيح الحمل ، وكذا في قولنا هذا الحكم مجمع عليه وكلّ مجمع عليه فهو ثابت ، وسط القياس الذي هو الدليل والحجة هو الإجماع لا المجمع عليه ، وهكذا قولنا ما دل عليه الإجماع أو الخبر أو الكتاب ، فلا تغافل.
(٢) فرائد الأصول ١ : ٢٩.