الحَسناءِ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ» (١).
هذا التّشبيه البليغ ، يمكن أن يكون إشارةً ، لتأثير المحيط الصّالح والسّيء في شخصية الإنسان ، على المستوى الإيجابي والسّلبي ، أو هو إشارةٌ لمسألة الوراثة ، وتأثيرها على مُجمل الشّخصية ، أو إشارةٌ للإثنين معاً.
وفي «الآية الثانية» : إشارةٌ لقوم بني إسرائيل ، الّذين بقوا لسنواتٍ طويلةٍ ، تحت إشراف وتعليمات النّبي موسى عليهالسلام ، في عمليّة الهداية الرّوحية والمعنويّة ، وفي مجال التوحيد وسائر الاصول الدينيّة ، ورأوا بامّ أعينهم المعجزات الإلهيّة ، كإنفلاق البحر لهم ، ونجاتهم من براثن فرعون وجنوده ، ولكن وبمجرد أن صادفوا في طريقهم للشام والأرض المقدسة ، قوماً يعبدون الأصنام ، تأثّروا بهم وبمحيطهم الملّوث ، وقالوا : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).
فتعجّب موسى عليهالسلام من هذا الإنقلاب ، وغضب غضباً شديداً ، من قولهم هذا وقال لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).
وأخذ يبيّن لهم مفاسد عبادة الأصنام.
والعجيب أنّ قوم بني إسرائيل ، وبعد التّوضيحات الصّريحة والمكرّرة لموسى عليهالسلام ، بقوا تحت تأثير هذا المحيط المسموم السّلبي ، بحيث إستطاع السّامري أن يتحرك من موقع إغوائهم ، وتفعيل عناصر الإنحراف لديهم في غيبة موسى عليهالسلام ، والّتي إستغرقت عدّة أيّام ، حيث صنع لهم صنماً من ذهبٍ ، وتبعه الغالبيّة من هؤلاء القوم ، وتحوّلوا من أجواء التّوحيد إلى أجواء الشّرك.
فهذا الأمر يمثل علامةً واضحةً على تأثير المحيط السّلبي ، في صياغة السّلوك الإنساني ، من موقع الانحراف والزيغ في دائرة المسائل الأخلاقية ، بل وحتّى العقائديّة أيضاً ، ولا شك أنّ بني إسرائيل وقبل مرورهم باولئك القوم ، كانت لديهم الأرضيّة المساعدة لعبادة الأصنام ، وذلك إثر بقائهم مع الوثنييّن المصرييّن لمدةٍ طويلةٍ ، فعند ما رأوا ذلك المنظر ، عادوا في دائرة الذّاكرة إلى ذلك الماضي الأسود ، وعلى كل حال فإنّ كلّ هذه الامور ، هي دليل واضح على تأثير
__________________
١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ١٩ ، ح ٧ ـ بحار الانوار ، ج ١٠٠ ، ص ٢٣٢ ، ح ١٠.