بقوله : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).
فهذا الكلام يدلّ على أنّ الفجار والمنحرفين ، لا يلدون إلّا الفجّار والمنحرفين ، ولا يستحقون الحياة الكريمة من موقع الرّحمة ، بل يجب أن ينزل عليهم العذاب أينما وجدوا وحلّوا ، والحقيقة أنّ البيئة ، وتربية الاسرة وكذلك الوراثة ، كلّها عوامل تؤثر في الأخلاق والعقيدة ، في حركة الحياة والإنسان ، والمهم في الأمر أنّ نوحاً عليهالسلام ، قطع بكفر وفساد أولادهم اللّاحقين ، لأنّ الفساد إنتشر في المجتمع بصورةٍ كبيرةٍ جدّاً ، فلا يمكن لأحدٍ أن يفلت منه بسهولةٍ ، وطبعاً وجود مثل هذه العوامل ، لا يعني سلب الإرادة من الإنسان ، وقد ذهب البعض إلى أنّ نوح عليهالسلام ، توجّه لهذه الملاحظة عن طريق الوحي الإلهي ، عند ما قال له الباري تعالى : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(١).
ومن الواضح ، أنّ هذه الآية لا تشمل الأجيال القادمة ، لكنّه لا يُستبعد أنّه عليهالسلام حكم عليهم بالإعتماد على الامور الثلاثة السّابقة الذّكر ، وهي : (البيئة ، وتربية الاسرة ، وعامل الوراثة).
وقد ورد في بعض الرّوايات أنّ الكفّار من القوم ، كانوا يأتون بصبيانهم المميزين عند نوح عليهالسلام ، ويقول الأب لإبنه ؛ أترى هذا الشّيخ يا بُني؟ إنّه شيخٌ كذّاب ، فلا تقترب منه ، هكذا أوصاني أبي ، «وافعل أنت ذلك مع إبنك أيضاً».
وظلّ الأمر على هذا المنوال على تعاقب الأجيال (٢).
وفي «الآية الثانية» : يحدثنا القرآن الكريم عن السيّدة مريم عليهاالسلام ، والتي تعتبر من أهم وأبرز الشخصيات النسائية في العالم ، وقد ورد في النّصوص الدينيّة ، ما يبيّن أنّ مسألة التربية والوراثة والبيئة ، لها أهميّة كبيرةٌ في رسم وصياغة شخصيّة الإنسان ، في خطّ الحقّ أو الباطل ، ولأجل تربية أفرادٍ صالحين ، يجب علينا التّوجه لتلك الامور.
ومن جملتها ، حالة الام في زمان الحَمل ، فترى أنّ امّ مريم كانت تستعيذ بالله تعالى من
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٣٦.
٢ ـ تفسير الفَخر الرازي ، والمُراغي ، للآية مَورد بحثنا.