وعبدة الأصنام في بابل ، فعند ما كان يلومهم إبراهيم عليهالسلام لعبادتهم الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ، كانوا يقولون بصراحة : وجدنا آباءنا لها عاكفين : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ* قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ).
فأجابهم إبراهيم عليهالسلام بأشدّ الكلام وأغلظه ، بقوله : (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
ولكن وللأسف الشديد ، إنتقل هذا الضّلال المبين إلى الأجيال ، جيلاً بعد جيل ، فأصبح جزءاً من ثقافتهم ، وأكسبه توالي الزّمن عليه مسوح القداسة ، فلم يمح قبحه فحسب ، بل أصبح من إفتخاراتهم على المستوى الحضاري والدّيني.
«الآية الرابعة» : توحي لنا نفس المعنى ، ولكن بشكلٍ آخر ، ففي معرض جوابهم على السّؤال القائل : لماذا تعبدون هذه الأصنام رغم أنّكم تعيشون سلامة العقل؟ ، تقول الآية على لسانهم : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ).
فليس أنّهم لم يعتبروا هذه الحماقة ، ضلالةً فحسب ، بل إعتبروها هدايةً وفلاحاً ، ورثوه عن آبائهم الماضين ، وذكرت «الآية التي بعدها» أنّ هذا هو طريق ومنطق كلّ المترفين على طول التاريخ ، وقالت : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ).
ومن البديهي أنّ ذلك التقليد الأعمى ، الذي كان يظهر جميلاً في ظلّ تلك القبائح ، له أسبابٌ كثيرةٌ وأهمّها تبدّل ذلك القُبح إلى سُنّةٍ وثقافةٍ بمرور الزّمن.
وورد نفس هذا المعنى في الآية (١٠٣ و ١٠٤) من سورة المائدة ، فقد إبتدع عرب الجاهليّة بدَعاً ما أنزل الله بها من سلطان ، فكانوا يحلّون الطعام الحرام ويحرّمون الطعام الحلال ، وكانوا يتمسكون بالخرافات والعادات السيئة ، ولا يقلعون عنها أبداً ، ويقولون : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا).
ويتبيّن ممّا تقدم من الآيات الكريمة ، تأثير العادات الخاطئة والسّنن البائدة ، في قلب